فجوة بين الخطاب الرسمي والواقع: قراءة نقدية في أداء وزارة الشؤون الاجتماعية



تكشف المشاركات الدولية المتتالية لوزيرة الشؤون الاجتماعية عن فجوة مقلقة بين الالتزامات المعلنة في المحافل الدولية والواقع المرير الذي يعيشه الأشخاص ذوو الإعاقة في ليبيا. فسواء كانت الكلمة في برلين، أو روما، أو نيويورك، أو مؤخراً في القاهرة، يتكرر المشهد ذاته: خطاب رسمي يرسم صورة وردية من "التمكين" و"الابتكار"، بينما تكشف الحقيقة على الأرض عن واقع مغاير يتسم بالتهميش الممنهج وتردي البنية التحتية.

نمط الدبلوماسية الاستعراضية: خطابات وردية وواقع مرير

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو نمط الدبلوماسية الاستعراضية، الذي تحولت فيه المنابر الدولية إلى منصات لتزييف الواقع بدلاً من أن تكون فرصة لعرض الحقائق وجلب الدعم.

1. نيويورك (يونيو 2025): تكرار للوعود الفارغة

تجلى هذا النمط بوضوح في كلمة الوزيرة وفاء الكيلاني خلال مؤتمر حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في نيويورك، والتي لم تكن سوى نسخة مكررة من خطابها في العام الذي سبقه، مع الحفاظ على نفس الوعود الفضفاضة حول "الإصلاحات النوعية" دون تقديم أي نتائج ملموسة.

2. برلين (أبريل 2025): صورة وردية بعيدة عن الحقيقة

في مشهد يبعث على الغصة، ألقت الوزيرة كلمة ضمن فعاليات القمة العالمية للإعاقة ببرلين، أكدت فيها "التزام ليبيا بدعم ريادة الأعمال... وتعزيز التكنولوجيا والابتكار". لكن أي ريادة واستقلالية يمكن الحديث عنها في بلد تُغلق فيه أبواب أبسط الخدمات في وجه ذوي الإعاقة؟ وكيف يمكن الحديث عن "توظيف التكنولوجيا لمواجهة المخاطر" بينما يعجز الكثيرون عن الخروج من منازلهم لغياب أبسط التجهيزات في الأرصفة والمباني، وتفتقر المراكز لأبسط المعدات والكهرباء المستقرة؟ إن الواقع الكارثي لمراكز مثل مركز جنزور يفضح حجم التناقض بين ما يُقال في الخارج وما يُعاش في الداخل.

إن هذه المشاركات، التي تُستهلك فيها موارد مالية كان من الأجدى توجيهها لحل المشكلات الداخلية، تمثل إهداراً مزدوجاً: إهدار للمال العام، وإهدار لفرصة تحقيق تغيير حقيقي.

الواقع المرّ: تهميش ممنهج لا إصلاحات

الحديث عن "التمكين" يبدو فارغاً في ظل مؤشرات واضحة على الإقصاء:

  • غياب البنية التحتية الميسّرة: حتى في المؤسسات الحكومية، مما يعيق الوصول إلى الخدمات الأساسية.
  • نقص حاد في الموارد: من أجهزة تعويضية وعلاج تأهيلي، مع غياب موازنات حقيقية لمراكز التأهيل.
  • ضعف المعاشات: التي لا تزال دون خط الفقر ولا تغطي الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية.


تشريعات معطلة: حيث لا تزال القوانين المحلية، مثل قانون رقم 5 لسنة 1987، قديمة ولا تتماشى مع الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها ليبيا سنة 2018.

ما نريده فعلاً: من التزييف الدولي إلى التغيير المحلي

إن استغلال معاناة ذوي الإعاقة لتلميع صورة الحكومة دولياً هو أمر مرفوض. نحن لا نعارض المشاركة في المحافل الدولية، بل نرفض الكذب باسمنا وتزوير واقعنا. ما نطالب به هو الانتقال من الأقوال إلى الأفعال عبر:

  1. تفعيل الاتفاقية الدولية بكامل بنودها ومواءمة التشريعات الوطنية معها.
  2. تمكين فعلي للمجتمع المدني الحقيقي، وتخصيص موارد شفافة للتأهيل والتعليم والتوظيف.
  3. محاسبة المسؤولين عن الفشل الإداري المزمن في هذا الملف.

 إهدار للمال العام، وإهدار لفرصة تحقيق تغيير حقيقي. فتكاليف هذه الرحلات الدولية كان يمكن أن تساهم في تطوير المراكز المتداعية، أو دعم الرياضيين الأبطال، أو توفير خدمات أساسية ترفع جزءًا من المعاناة اليومية.



أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال