
قبل أيام، تلقيت دعوة كريمة من الأستاذ بسام عايشة، الخبير الدولي الليبي ومدير الجلسة، للمشاركة في معرض النيابة العامة الدولي للكتاب في دورته الثانية، الذي أُقيم تحت شعار “ثقافة حقوقية”.
ينظم هذا الحدث مركز البحوث الجنائية والتدريب، برعاية مكتب النائب العام ، وتستمر فعالياته من 15 إلى 25 أكتوبر 2025، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين والمهنيين المهتمين بتعزيز ثقافة القانون والحقوق في المجتمع الليبي.
شاركت في الجلسة عبر تطبيق زووم إلى جانب المهندس أحمد الرضا، وهو مهندس من الأشخاص ذوي الإعاقة وخبير دولي في مجال إمكانية الوصول في المرافق العامة، وأحد المنفذين والمشاركين في إعداد اللائحة الليبية للتصميم الشامل. خبرته الواسعة في هذا المجال جعلت النقاش أكثر عمقًا وواقعية، خصوصًا عندما تحدث عن التحديات الميدانية في تطبيق المعايير داخل المؤسسات العامة والخاصة في ليبيا.
أما مداخلتي فكانت بعنوان:
الحق في الوصول إلى وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية للأشخاص ذوي الإعاقة نحو تحقيق المساواة الرقمية والشمولية في ليبيا.
ورغم أني اعتدت على الحديث في المؤتمرات، إلا أن الحديث أمام جمهور حتى عبر الشاشة لا يزال يربكني قليلًا. شعور طبيعي يرافقني كل مرة، لكن ما يجعلني أستمر هو الإيمان بأن هذه القضايا تستحق أن تُسمع، وأن الحديث عنها مسؤولية شخصية ومجتمعية.
تناولت في مداخلتي أن الوصول إلى الإعلام والمحتوى الرقمي ليس رفاهية، بل حق أساسي من حقوق الإنسان، نصّت عليه اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي وقّعت عليها ليبيا سنة 2008 وصادقت عليها نهائيًا عام 2018.
الاتفاقية تلزم الدولة باتخاذ كل التدابير التي تضمن وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى المعلومات ووسائل الإعلام والاتصالات على قدم المساواة مع الآخرين.
عرضت بعض المؤشرات الميدانية التي تعكس واقعنا: إذ لا تتجاوز نسبة البرامج المترجمة إلى لغة الإشارة في القنوات الليبية 3%، وهي نسبة متواضعة جدًا بالنظر إلى عدد الأشخاص الصم وضعاف السمع في البلاد. كما أشرت إلى أن كثيرًا من المواقع الإلكترونية الليبية لا تتوافق مع معايير الوصول الرقمي، ما يجعلها غير قابلة للاستخدام من قبل بعض الفئات.
تطرقت كذلك إلى إرشادات الوصول إلى محتوى الويب (WCAG 2.2) التي أصدرتها منظمة W3C عام 2023، والتي تقوم على أربعة مبادئ رئيسية:
- أن يكون المحتوى قابلاً للإدراك، أي يمكن رؤيته أو سماعه بوضوح.
- قابلاً للتشغيل باستخدام أكثر من وسيلة، مثل لوحة المفاتيح أو الأوامر الصوتية.
- قابلاً للفهم بلغة بسيطة وواضحة.
- قويًا ومتينًا ليستمر في العمل مع مختلف الأجهزة وبرامج المساعدة.
وفي ختام مداخلتي، دعوت إلى إطلاق مبادرة وطنية بعنوان "إعلام متاح للجميع"، تهدف إلى:
- إلزام القنوات الليبية بإدراج مترجمي لغة الإشارة في برامجها ونشراتها.
- تدريب الكوادر الإعلامية على مبادئ الوصول الرقمي الشامل.
- دعم الصحفيين والمصممين من الأشخاص ذوي الإعاقة ليكونوا جزءًا من صناعة المحتوى.
- مراجعة التشريعات الليبية لتتوافق مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومعايير التصميم الشامل.
رغم ارتباكي في البداية، خرجت من التجربة بشعور جميل بالرضا والفخر، لأن المشاركة في حدث بهذا المستوى برعاية مكتب النائب العام وتنظيم مركز البحوث الجنائية والتدريب دليل على أن قضية الوصول أصبحت اليوم جزءًا من الحوار الوطني حول الحقوق والعدالة الاجتماعية.
الوصول إلى الإعلام حق وليس استثناء،
والتمكين الرقمي والإعلامي هو الطريق نحو ليبيا أكثر عدلاً وشمولية للجميع.