في سياق التفاوت الاقتصادي الذي تشهده المنطقة العربية، أظهر تقرير صادر عن منصة Countrycassette لعام 2025 تفاوتًا لافتًا في متوسط الرواتب الشهرية الصافية (بعد الضرائب) بين الدول العربية. وقد حلّت ليبيا في المرتبة الحادية عشرة من بين ثلاث عشرة دولة شملها التصنيف، بمتوسط راتب شهري قدره 275 دولارًا أمريكيًا فقط.
ليبيا: بين ضعف الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة
بحسب نفس التقرير، بلغ متوسط الراتب الشهري في ليبيا نحو 275 دولارًا أمريكيًا، أي ما يعادل حوالي 1340 دينارًا ليبيًا، ما يضع البلاد ضمن أدنى مستويات الدخل في المنطقة، متقدمة فقط على الجزائر (267 دولارًا) ومصر (137 دولارًا).
لكن هذا الرقم، رغم دقته من حيث المتوسط العام، يخفي تفاوتًا كبيرًا بين العاملين في القطاعين العام والخاص. فوفقًا لبيانات موقع WageCentre, يبلغ متوسط الرواتب في القطاع العام حوالي 240 دولارًا، بينما ترتفع هذه الأرقام بشكل ملحوظ في القطاع الخاص، إذ تشير منصة BDEEX إلى أن موظفي الشركات الكبرى يتقاضون ما يقارب 410 دولارًا شهريًا، في حين لا يتجاوز متوسط دخل موظفي الشركات الصغيرة 270 دولارًا، وتنخفض أكثر في المؤسسات الصغرى جدًا.
مقارنة عربية
جاءت قطر في صدارة الدول العربية بمتوسط راتب شهري يصل إلى 3973 دولارًا، تلتها الإمارات بـ 3502 دولارًا، ثم الكويت بـ 2025 دولارًا. أما دول مثل فلسطين (633 دولارًا)، الأردن (619 دولارًا)، والعراق (537 دولارًا) فقد تفوقت على ليبيا بفارق ملحوظ، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها.
الرواتب مقابل تكاليف المعيشة
بحسب Numbeo، فإن تكلفة إيجار شقة بغرفة نوم واحدة في طرابلس تتراوح بين 500 إلى 1500 دينار ليبي، أي ما يعادل أكثر من نصف أو كل الراتب الشهري للفرد، حسب متوسط الدخل. وتشير الأرقام إلى أن المواطن الليبي يخصص نسبة كبيرة من دخله الشهري لسداد الإيجار فقط، دون احتساب مصاريف الغذاء، الصحة، التعليم، أو النقل.
شهادات من الداخل الليبي
في مناقشات نُشرت على منصّة Reddit عام 2024، أشار موظفون ليبيون إلى أن الرواتب العادية تتراوح ما بين 800 إلى 1500 دينار ليبي، بينما يحصل بعض المهندسين الجدد على ما بين 2000 و3000 دينار شهريًا، وقد ترتفع الرواتب في بعض الوظائف النادرة إلى أكثر من 8000 دينار، خصوصًا في القطاع الخاص والشركات الأجنبية (Reddit - Libya Thread).
استنتاج وتوصيات
يُظهر تقرير Countrycassette أن ليبيا تمرّ بأزمة هيكلية في توزيع الرواتب والدخول، ترتبط بغياب الاستقرار الاقتصادي، وتراجع قيمة الدينار، بالإضافة إلى الفساد الإداري والمالي.
لتحسين أوضاع المعيشة، توصي الجهات الدولية والمحلية بـ:
- إعادة هيكلة سلم الرواتب في القطاع العام ليعكس الواقع المعيشي.
- تحفيز الاستثمار في القطاع الخاص لخلق وظائف برواتب أكثر تنافسية.
- تحسين البيئة التشريعية لتشجيع الشركات الأجنبية والمحلية على دفع رواتب عادلة.
- تعزيز الشفافية في التوظيف والإنفاق الحكومي.
رغم الثروات الطبيعية الكبيرة التي تملكها ليبيا، إلا أن موقعها المتأخر في تصنيف متوسط الرواتب الشهرية عربياً يسلّط الضوء على أزمة اقتصادية واجتماعية تتطلب حلولًا عميقة ومستدامة. ومن دون إصلاحات شاملة، سيبقى دخل المواطن الليبي بعيدًا عن تلبية الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.
