الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة بين زاوية النظر الخاصة والسياق الأوسع للأزمة الإنسانية

 


تُظهر التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية أبعاداً صادمة للمعاناة التي يعيشها الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة. إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 83% منهم لا يمتلكون الأجهزة المساعدة الأساسية مثل الكراسي المتحركة، العكاكيز، أو أجهزة السمع. وحتى من يملكون هذه الأدوات يجدون أنفسهم في مواجهة أزمة جديدة تتمثل في نقص البطاريات واللوازم اللازمة لتشغيلها. هذه التفاصيل البسيطة في ظاهرها تعني في الواقع حياة أو موت، إذ يصبح من المستحيل على الأشخاص ذوي الإعاقة الوصول إلى الغذاء أو الرعاية الطبية في ظل ظروف الحرب.

أزمة لها أكثر من مستوى

المعاناة هنا ليست فقط في انعدام الأجهزة أو الخدمات، بل في زاوية النظر التي يجب أن نتبناها عند الحديث عن الحرب. هل نتعامل معها فقط كقضية سياسية عامة؟ أم نسلط الضوء على الفئات الأكثر هشاشة داخلها مثل الأشخاص ذوي الإعاقة؟

هناك اتجاه أول يرى أن من الضروري التركيز على ما يواجهه ذوو الإعاقة تحديداً. لأن التجربة أثبتت أن قضايا الإعاقة عادة ما تُهمل في التغطيات الإعلامية والسياسية، وأن صوت الأشخاص ذوي الإعاقة غالباً ما يكون الأضعف. هذا التركيز يضمن أن لا تتحول معاناتهم إلى مجرد تفصيل صغير وسط الكارثة الكبرى.

لكن هناك اتجاه آخر يحذر من أن التركيز على هذه الزاوية وحدها قد يؤدي إلى اختزال القضية. فالأصل هو العدوان والحصار وسياسات العقاب الجماعي، وهي التي تولّد هذه المآسي. فإذا اكتفينا بالنظر من زاوية ذوي الإعاقة فقط، قد نتجنب أو نتغافل عن الأسئلة الأوسع: من المسؤول عن استمرار هذه الحرب؟ وكيف يمكن إنهاؤها؟

هل تكفي زاوية النظر الخاصة؟

النظر إلى الحرب في غزة من زاوية الأشخاص ذوي الإعاقة يكشف جوانب مهمّة لا يراها الآخرون:

  • صعوبة الالتزام بأوامر الإخلاء لمن لا يسمعون أو لا يستطيعون الحركة.
  • استحالة الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات لمن يعتمدون على أجهزة معطّلة أو مهددة بالتوقف.
  • فقدان مراكز التأهيل والمدارس التي كانت تشكل طوق نجاة لهم.

لكن في الوقت نفسه، لا تكفي هذه الزاوية وحدها لتفسير أو معالجة ما يحدث. فمعاناة ذوي الإعاقة هي جزء من مشهد أكبر يحتاج إلى تحليل سياسي وإنساني شامل.

نحو مقاربة متوازنة

الحل ربما يكمن في الجمع بين الزاويتين:

  • إبراز ما يعانيه ذوو الإعاقة باعتباره جزءاً أصيلاً من الصورة.
  • وفي الوقت ذاته عدم عزل هذه المعاناة عن السياق الأوسع المتمثل في الحرب والاحتلال.

بهذا الشكل نضمن أن تبقى قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة حاضرة، لكن دون أن نغفل عن جذور المأساة.

ما يحدث في غزة يضعنا أمام سؤال صعب: هل نركز على معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة وحدها، أم ندمجها ضمن الصورة الأكبر للأزمة؟ ربما لا توجد إجابة نهائية. لكن الأكيد أن أصوات الأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن تُروى باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحقيقة، لا مجرد هامش أو استثناء.

أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال