تابعنا مؤخرًا الكلمة التي ألقتها وزيرة الشؤون الاجتماعية الليبية، وفاء أبوبكر الكيلاني، خلال مشاركتها في الدورة السنوية للمؤتمر الدولي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في نيويورك (يونيو 2025). وعلى غرار خطابها في المؤتمر نفسه عام 2023، أعادت الوزيرة تكرار نفس الوعود والعبارات الفضفاضة، في محاولة لتصدير صورة وردية عن واقع الإعاقة في ليبيا، لا تمتّ للحقيقة بأي صلة.
✦ تكرار ممل وخطاب مستنسخ
من يراجع كلمة الوزيرة هذه، سيجد أنها نسخة طبق الأصل من خطابها السابق قبل عامين، مع تغييرات طفيفة في التواريخ وصياغة الجمل. واللافت أنها حافظت على:
نفس الحديث عن "الالتزام الوطني" و"المجتمع الشامل".
نفس الإشادة المبالغ فيها بـ"الإصلاحات النوعية".
نفس الادعاء بوجود استراتيجيات وخطط دون عرض أي نتائج ملموسة.
والسؤال الجوهري هنا: إذا كانت هذه الإصلاحات قد بدأت فعليًا منذ سنوات كما تزعم، فلماذا لم نرَ لها أثرًا واحدًا على أرض الواقع؟
✦ الواقع المرّ: تهميش ممنهج لا إصلاحات
الحديث عن "تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة" يبدو فارغًا في ظل مؤشرات واضحة على التهميش والإقصاء:
غياب البنية التحتية الميسّرة حتى في المؤسسات الحكومية نفسها، بما فيها مراكز الضمان الاجتماعي والمستشفيات.
عدم توفر الأجهزة التعويضية والعلاج التأهيلي بانتظام، وغياب موازنات حقيقية لمراكز التأهيل.
ضعف المعاشات رغم مضاعفتها الرمزية، إذ لا تزال دون خط الفقر، ولا تغطي حتى الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية.
لا وجود لتشريعات حديثة نافذة تتماشى مع الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها ليبيا سنة 2018، رغم تكرار الإشارة إلى "المواءمة مع المعايير الدولية".
✦ إدماج على الورق فقط
الوزيرة تحدّثت عن "إدماج قضايا الإعاقة في السياسات والخطط"، لكن ذلك لا يتجاوز حبر الورق:
- لا تمثيل حقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة أو منظماتهم المستقلة في اللجان الحكومية.
- تغييب المجتمع المدني الفعلي الذي يعمل بشكل ميداني لصالح جهات صورية بلا امتداد مجتمعي
- غياب خطط مهنية مستدامة لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة أو دمجهم الفعلي في سوق العمل.
✦ بين التضليل المحلي والتزييف الدولي
المؤلم أكثر هو استغلال معاناة شريحة كبيرة من الليبيين ذوي الإعاقة لتلميع صورة الحكومة أمام المجتمع الدولي. هذه الخطابات، بدل أن تكون مدخلًا للضغط من أجل إصلاح حقيقي، تُستخدم لتقديم صورة زائفة عن "الرفاهية" والدمج الشامل في ليبيا، بينما الواقع يشي بأزمات يومية خانقة:
- أطفال خارج مقاعد الدراسة بسبب غياب التهيئة.
- شباب عاطلون عن العمل دون برامج دعم حقيقية.
- مراكز تأهيل شبه مغلقة بسبب ضعف التمويل.
✦ ما نريده فعلًا
لسنا ضد الخطاب الرسمي، ولا ضد مشاركة ليبيا في المحافل الدولية، بل العكس تمامًا. لكننا نرفض:
- الكذب باسمنا.
- التحدث نيابة عنا دون استشارة.
- تزوير معاناتنا لإرضاء المجتمع الدولي.
نحن نطالب بـ:
- تفعيل الاتفاقية الدولية بكامل بنودها، لا انتقاء ما يُناسب الصور الرسمية.
- مراجعة التشريعات المحلية وتحيين قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 5 لسنة 1987.
- تمكين فعلي للمجتمع المدني الحقيقي، وتخصيص موارد شفافة لتأهيل وتعليم وتوظيف ذوي الإعاقة.
- محاسبة المسؤولين عن الفشل الإداري المزمن في هذا الملف.
ما قالته الوزيرة هذا العام، سبق أن قالته العام الماضي. وإن استمرت الأمور على هذا النهج، فغالبًا ستقوله العام القادم أيضًا. لكن المؤلم هو أن الكذب باسمنا لا يمر دون ثمن: لقد صدّق العالم أن الإعاقة في ليبيا تعيش واقعًا نموذجيًا، وأننا تجاوزنا كل الصعوبات، بينما الحقيقة أننا نُكافح يوميًا من أجل الحصول على أبسط الحقوق.
نقولها بوضوح:
لا نسامح من استغل آلامنا لتلميع صورته. خصيمنا أمام الله يوم يجتمع الخصوم.