لم يعد من المقبول أن تظل قضايا الإعاقة مجرد شعارات تُطلق في المناسبات الرسمية أو بيانات جوفاء لا تتبعها أفعال. المجتمع الدولي يشهد تحولًا واضحًا تقوده مجتمعات الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، في سعيهم لنيل حقوقهم الكاملة والمشاركة الفعلية في تقرير مصيرهم. هذا التحول يجب أن يمتد إلى ليبيا، ليس من خلال التصريحات الرنانة، بل عبر إجراءات ملموسة، وقرارات سياسية واقتصادية تتبناها الدولة الليبية بجرأة وإرادة حقيقية.
كما شهدنا مؤخرًا، فقد ألقت وزيرة الشؤون الاجتماعية الليبية، السيدة وفاء أبوبكر الكيلاني، كلمة ضمن فعاليات القمة العالمية للإعاقة ببرلين، كانت مليئة بالتعهدات والعبارات الرنانة التي تُظهر وكأن ليبيا في طليعة الدول التي تنفذ سياسات الدمج الشامل. ولكن، وللأسف، فإن ما قيل هناك لا يمتّ للواقع الليبي بصلة. فالأشخاص ذوو الإعاقة في ليبيا لا يزالون يواجهون الإقصاء والتهميش في شتى المجالات، بدءًا من غياب البنية التحتية الميسرة، وانتهاءً بحرمانهم من المشاركة الفعلية في الحياة الاقتصادية والسياسية.
الوصول والشمولية ليسا رفاهية، بل حقوق إنسانية واقتصادية
الوصول (Accessibility) والشمولية (Inclusion) لا يمكن اعتبارهما مجرد إضافات اختيارية أو امتيازات. بل هما حقوق إنسانية أساسية، نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (UNCRPD). كما أن إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في السياسات الاقتصادية والمالية هو ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والنمو الشامل.
تشير الإحصاءات إلى أن 15٪ من سكان العالم هم من الأشخاص ذوي الإعاقة. وبالتالي، فإن تخصيص 15٪ من موارد التنمية لهؤلاء المواطنين ليس صدقة ولا منحة، بل هو التزام قانوني وأخلاقي لضمان تكافؤ الفرص ومساواة حقيقية في الاستفادة من مشاريع التنمية على المستويين المحلي والعالمي.
المصارف والمؤسسات المالية: بين المسؤولية الاجتماعية والالتزام القانوني
تتحمل المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك، مسؤولية مباشرة في ضمان أن تكون خدماتها متاحة ومفهومة وقابلة للاستخدام من قبل جميع فئات المجتمع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة. فالاتفاقية الدولية (المادة 9) تلزم الدول بتوفير إمكانية الوصول إلى المرافق والخدمات، بما فيها المالية، والمادة 21 تضمن حق الأفراد في الحصول على المعلومات بطريقة يمكنهم فهمها واتخاذ قراراتهم بشكل مستقل.
إدماج الشمولية في السياسات المالية، خاصة من خلال فرض اشتراطات تتعلق بإمكانية الوصول عند تقديم القروض للمؤسسات، هو خطوة استراتيجية تعزز من حماية المستهلك، وتحفز الأسواق على أن تكون أكثر شمولًا وعدلًا.
دعوة صريحة للحكومة الليبية: آن الأوان للأفعال لا الأقوال
على الحكومة الليبية أن تتوقف عن إصدار بيانات لا أثر لها، وتبدأ في تنفيذ سياسات واضحة لضمان شمول الأشخاص ذوي الإعاقة في كافة جوانب الحياة العامة، لا سيما في المجالين المالي والاقتصادي. يجب:
- إدراج معايير الوصول في جميع برامج التنمية.
- إلزام المؤسسات المالية بتوفير خدمات ميسّرة وشاملة.
- تخصيص جزء من موارد التنمية لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة.
- ضمان المشاركة الفعلية للأشخاص ذوي الإعاقة في رسم السياسات الاقتصادية.
العدالة ليست فقط أن تُمنح الحقوق، بل أن يُزال العائق أمام ممارستها. والمشاركة الاقتصادية للأشخاص ذوي الإعاقة تبدأ من الاعتراف القانوني بهم كأطراف فاعلة في المجتمع، وتنتهي بتمكينهم من الوصول إلى المعلومات، والخدمات المالية، والمساهمة في التنمية الاقتصادية.
من هنا، فإن الوصول العادل إلى الخدمات المالية هو حق إنساني تكفله المادة 12 من اتفاقية الأمم المتحدة. وعلى ليبيا، إن كانت جادة في التزامها بهذه الاتفاقية، أن تتحرك الآن