ذهبية محمود رجب تضع ليبيا على خريطة العالم البارالمبي… لكنها تكشف أيضًا واقع التفاوت العربي في الرياضات البارالمبية



بعد أسبوع من المنافسات القوية في بطولة العالم لألعاب القوى البارالمبية – نيودلهي 2025، اختتمت الدول العربية مشاركتها بنتائج متباينة بين الصعود اللافت والتراجع الواضح، بينما خطفت ليبيا الأنظار بإنجازٍ تاريخي لم يحدث من قبل: ذهبية في رمي القرص فئة F57 أحرزها البطل محمود رجب برقم البطولة و  افريقي جديد بلغ 46.73 مترًا.

وتمكّن البطل الليبي من تحقيق إنجاز مزدوج بعد أن سجل رقمًا قياسيًا جديدًا للبطولة (46.73 متر)، إلى جانب تحطيمه للرقم الإفريقي في نفس الفئة، ليؤكد أحقيته باللقب العالمي ويضع اسمه ضمن أبرز الرياضيين في تاريخ اللعبة. اللجنة البارألمبية الليبية

إنجاز ليبي استثنائي رغم الإمكانيات المحدودة

ميدالية رجب ليست مجرد رقم أو لحظة تتويج عابرة، بل هي أول ميدالية ذهبية في تاريخ ليبيا ببطولة العالم لألعاب القوى البارالمبية، وأول ظهور رسمي لها في قائمة المتوجين بالذهب ضمن السجلات الدولية للجنة البارالمبية الدولية (IPC).

ورغم أن ليبيا شاركت بالرياضي واحد و هوا محمود رجب، فإنها أنهت البطولة في المرتبة 44 عالميًا، متقدمةً على عدة دول عربية وأوروبية، وهو ترتيب قد يبدو متواضعًا رقميًا، لكنه مرتفع من حيث القيمة الفنية لأن ذهبية ألعاب القوى تُعتبر أرفع من حيث التصنيف والمنافسة مقارنة ببطولات أخرى أكثر عددًا وأقل مستوى.

🌍 الترتيب العام للدول العربية في البطولة

الدولةالترتيب العامالميداليات
الجزائر 19🥇3 ذهب – 🥈3 فضة – 🥉3 برونز
تونس 28🥇2 ذهب – 🥈4 فضة – 🥉3 برونز
السعودية 32🥇1 ذهب – 🥈3 فضة – 🥉1 برونز
ليبيا 44🥇1 ذهب
العراق 50🥈1 فضة – 🥉3 برونز
الكويت 56🥈1 فضة
الأردن 56🥈1 فضة

النتائج تُظهر بوضوح أن الجزائر وتونس ما زالتا تتصدران المشهد العربي في عدد الميداليات، بفضل استقرار المنظومات الرياضية الداعمة للأشخاص ذوي الإعاقة. بينما يُعتبر الإنجاز الليبي الأبرز من حيث القيمة النوعية، لأنه تحقق في بطولة العالم لألعاب القوى، وهي البطولة الثانية من حيث الأهمية بعد الألعاب البارالمبية.

🗣️ تصريحات متباينة بين الفخر والواقعية

رئيس اللجنة البارالمبية الليبية خالد رقيبي وصف التتويج بأنه “تاريخي بكل المقاييس”، وأضاف:

“هذه أول ميدالية ذهبية تدخل اللجنة منذ تأسيسها، وهو تتويج لكل الرياضيين الليبيين الذين لم يفقدوا الأمل رغم غياب الدعم الكافي. لا يمكن أن ننسى دعم وزارة الرياضة التي كانت شريكًا حقيقيًا في هذا النجاح.”

من جهته، قال جمال بنورة، وكيل وزارة الرياضة، في تصريح خاص:

“ما حققه محمود رجب إنجاز يُحسب لليبيا، ويؤكد أن رياضيينا قادرون على تحقيق نتائج عالمية رغم الصعوبات.”

أما مصطفى جعيبي، رئيس الهيئة العامة للتضامن الاجتماعي، فأكد أن الهيئة ستكون “من أوائل الداعمين للبطل محمود رجب”، مشددًا على أن “هذا الإنجاز رسالة أمل لكل الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا.”

🏋️‍♂️ بين رجب والزوي: مساران مختلفان في ذاكرة البارالمبية الليبية

رغم الجدل الذي أثارته بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي حول ترتيب الإنجازات الليبية السابقة، فإن الواقع وفق سجلات اللجنة البارالمبية الدولية واضح:

  • عبدالرحيم الزوي هو أول من أهدى ليبيا ميدالية برونزية في رفع القوة بدورة سيدني 2000.
  • أما محمود رجب، فهو أول من حقق ميدالية ذهبية عالمية في ألعاب القوى البارالمبية ضمن بطولة العالم الرسمية.

الفرق بين الإنجازين لا يُقاس بالقيمة، فكلتاهما لحظتان مشرفتان في تاريخ الرياضة الليبية، لكن من الناحية الفنية، فإن بطولات رفع القوة تُنظم عدة مرات في العام عبر جولات مختلفة، بينما بطولة العالم لألعاب القوى تُقام مرة كل عامين وتضم الصفوة فقط، ما يجعل ذهبية رجب ذات ثقل عالمي واضح.

🎯 الرسالة الأهم: الدعم المؤسسي ما زال الغائب الأكبر

ورغم الاحتفالات والتصريحات، فإن ما تكشفه البطولة بوضوح هو أن الدعم المؤسسي للأبطال البارالمبيين العرب ما زال متفاوتًا بشكل كبير. فبينما تحظى الجزائر وتونس ببرامج تأهيل ودعم متكاملة، لا تزال دول مثل ليبيا والعراق والأردن تعتمد على المبادرات الفردية والاجتهادات الشخصية.

 ذهبية رجب ليست نهاية الطريق

إنجاز محمود رجب في نيودلهي لا يجب أن يُنظر إليه كلحظة فخر عابرة، بل كنقطة انطلاق لإعادة النظر في واقع الرياضة البارالمبية الليبية والعربية.
فقد أثبت هذا البطل أن القدرات لا تُقاس بالإمكانات، بل بالإصرار والإيمان بالذات.
ويبقى السؤال الحقيقي:
هل ستتحول هذه الذهبية إلى بداية مشروع رياضي وطني حقيقي، أم ستظل مجرد خبر جميل عابر في الذاكرة الرقمية؟

🔹 من جنزور إلى نيودلهي… رحلة بدأت منذ عقود

إن مشهد رفع علم ليبيا في نيودلهي 2025 يعيد إلى الأذهان البدايات الأولى للرياضة البارالمبية في البلاد، حين كان مركز إعادة التأهيل في جنزور في ثمانينيات القرن الماضي يمثل أول مساحة جمعت بين العلاج الطبيعي والطموح الرياضي.
ومن هناك انطلقت قصص رياضيين حملوا الحلم في ظروف قاسية، حتى وصل اليوم إلى منصة عالمية تُكرّس معنى الاستمرارية والعزيمة.
إن تتويج محمود رجب ليس مجرد رقم قياسي، بل استكمال لمسيرة بدأت في جنزور قبل أكثر من أربعة عقود — رحلة من التدريب والعلاج والإصرار، تجسّد اليوم طموح جيل جديد يسعى لأن تكون ليبيا حاضرة بين الكبار في كل بطولة عالمية.

أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال