أثار مقالي التحليلي الأخير، بعنوان "الفجوة في الرفعات: تحليل فني لمشاركة ليبيا في بطولة العالم لرفعات القوة البارالمبية - القاهرة 2025" والذي نُشر على موقع اللجنة البارالمبية الليبية، نقاشًا واسعًا. ربما لم يكن هذا التحليل موفقًا في نظر البعض، لكنه جاء مستندًا إلى أرقام من مصادرها الرسمية، وبرغم أنني حاولت التواصل مع اللجنة الفنية العليا للعبة لإدراج وجهة نظرهم، إلا أنني لم أتلق ردًا على أسئلتي لأضمها للتحليل. وفي كل الأحوال، هذا النقاش هو في جوهره ظاهرة صحية، فالاختلاف في الرأي، حين يكون بنّاءً وفي إطار الاحترام المتبادل، هو الخطوة الأولى نحو التطوير.
لكن من الأهمية بمكان أن نتفق على المبدأ الأساسي: رياضة رفعات القوة هي "لعبة أرقام". إنها تعتمد على الدقة، والأداء، والفوارق المئوية بين الأوزان. حين نحلل "الفجوة الرقمية" مع المنافسين، فنحن لا ننتقد الأشخاص أو نقلل من مجهودهم، بل نقوم بقراءة علمية للواقع تساعدنا في تحديد أين نقف، وكيف يمكن أن نتقدم.
العاطفة وحدها لا تبني الإنجاز
أتفهم أن الكثير من التعليقات جاءت من منطلق العاطفة الوطنية، وهو أمر طبيعي ومفهوم، فجميعنا نفخر بأي إنجاز ليبي. ولتوضيح طبيعة الردود التي وردت، هذه بعض الأمثلة منها كنماذج، سواء كانت ناقدة أو داعمة:
"لا بد ان افهم هدا شي قبل ماتحكي حاجة انت مش عارفها تعال ادعمنه بابسط الإمكانيات..."
"أن الفريق الليبي لديه إمكانيات كبيرة ولكن يحتاج إلى دعم لتحقيق الأفضل والشكر موصول للقيادة العامة ورئيس اللجنة الفنية الأستاذ عبدالرحيم الزوى لما قدمه من دعم..."
"حسبي الله ونعم الوكيل... وفي كل حد يشكك في منتخبنا يعلم الله كيف تعب علينا ريئس اللجنة الفنية استاذ عبدالرحيم الزوي في وقت مافيش اي دعم..."
"الاخ الفاضل عبد السلام .. هناك بعض المغالطات وردت في المقالة .. اولا المنتخب المشارك تحصل علي 10 قلائد وليس 7 قلائد كما ذكرت..."
"اول مرة اشوف تحليل دقيق وعميق شكرا استاذ عبدالسلام..."
"ومن المفترض أن يكون هناك تقرير. فني يعده المدير الفني وتقرير شامل يعده رئيس الوفد ... مع تغطيه اعلامية من المرافق الاعلامي تغطي الحدث على مدار ايام البطولة وكذلك تصريح على الهدف من المشاركة قبل انطلاق منافسات البطولة."
"طريق نحو لوس انجلوس اكيد راح يكون مدروس و خطة تدريب اكتر من دقيقة و تحقيق التأهل بالارقام .. نرد عليك علاش ما تنزلش و تعاقب على تقصير الكبير من المسؤولين ع رياضه ما شفنا من المسؤول كان الدعاء الي تحكي عليه .. برا دير بحوتات و تحقيقات وتقارير ع تقصير الكامل .. بصراحه ما شوفنا منك شي حت دعاء و كلمه طيبه ما شفناها منك .. و بعدين اني نشوف من الي يبحتون ع فجوات الي تحكي عليها و بتشككو في انجازات منتخب للعبه رفعات القوة .. مكان الا حقد و غيره ع للجنه العليا للعبه و المنتخب بالكامل لانه المنتخب الوحيد الي متحصل ع رعاية كامله و نسال الله يجعل كيدكم ف نحوريكم"
هذه التعليقات، سواء كانت دفاعية، أو تصحيحية، أو عاطفية، أو موضوعية، هي جزء طبيعي من النقاش. لكن التطور الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بالاعتماد على العاطفة وحدها. لا يمكننا أن نتطور دون أن ننتقد أنفسنا نقدًا علميًا وموضوعيًا. من يُحب اللعبة فعلاً هو من يسعى لتطويرها بالحقائق لا بالمجاملات.
ومما زاد من سوء الفهم أن الكثير من التعليقات جاءت من أشخاص اكتفوا بقراءة العنوان فقط، وبنوا عليه مواقفهم دون الاطلاع على المحتوى. هذا، للأسف، يعكس خللًا أوسع في ثقافة الحوار الرياضي لدينا، حيث يطغى الهجوم غير المهني على النقاش الموضوعي.
قراءة في الحقائق لا في النوايا
أؤكد مجددًا أن كل الأرقام الواردة في التحليل مأخذومة مباشرة من الموقع الرسمي للبطولة التابعة للجنة البارالمبية الدولية، ويمكن لأي متابع التأكد منها. والحقيقة أنني لم أتطرق لكثير من التفاصيل، كحقيقة أن أغلب الميداليات جاءت من فئات الشباب و"الأساطير"، وغابت تمامًا عن منافسات النخبة، وقد اخترت عدم الخوض في ذلك لأسباب تشجيعية في المقام الأول. فالتحليل لم يكن موجهًا ضد أحد، بل كان محاولة لطرح أسئلة جوهرية حول واقع التدريب، والدعم الفني، والبنية التحتية؛ وهي أسئلة مطروحة منذ سنوات في معظم الألعاب البارالمبية.
كما أن غياب المرافق الإعلامي الرسمي عن البطولة جعل بعض التفاصيل غير واضحة للجمهور، واعتمد التحليل بالكامل على المنصة الرسمية للبطولة دون أي إضافة خارجية.
التقدير لا يمنع التطوير
لا أحد يُنكر الجهد الكبير الذي بذله اللاعبون والمدربون، وعلى رأسهم الأستاذ عبدالرحيم الزوي، الذي يعمل في ظروف صعبة وإمكانات محدودة، وحقق مع المنتخب إنجازًا يُحسب له.
لكن هذا الإنجاز المستحق لا يمنعنا، بل يدفعنا، للمطالبة بمزيد من الدعم، والتخطيط المنهجي، والمتابعة العلمية الدقيقة. فالنجاح الحقيقي لا يقاس فقط بالميداليات، بل بالاستمرارية، وتضييق الفجوة مع المستويات العالمية، وبناء منظومة قادرة على المنافسة باستمرار.
نحو نقد بنّاء لهدف مشترك
أجدد الدعوة للجميع بأن يكون النقد وسيلة للتطوير لا للتخوين. علينا أن نرتقي بروح رياضية حقيقية تُقدّر كل جهد، وفي نفس الوقت تبحث عن الحقيقة وتطالب بالأفضل. إن اللجنة الفنية، والإعلام، والجمهور، والرياضيين جميعنا شركاء في هدف واحد: أن نرى ليبيا تقف بثقة على المنصات الدولية، بنتائج مبنية على التخطيط والعلم، لا على الحماس المؤقت.
وكما كتبت في مقالة سابقة، الأداء في بطولة العالم 2025 يمثل خطوة أولى إيجابية، لكن الطريق لا يزال يتطلب عملاً أكبر واستراتيجية واضحة للسنوات القادمة. يجب أن يكون الهدف الأسمى هو التأهل إلى الدورات البارالمبية القادمة بالاعتماد على أرقام رياضيينا وكفاءتهم، وليس انتظار بطاقات الدعوة.
إن هذا الجدل في جانبه الرياضي ما هو إلا نموذج مصغر يعكس ثقافة الحوار العام لدينا. فإذا كان هذا هو حال النقاش في الرياضة، فمن المشروع أن نتساءل كيف نتعامل مع مواضيعنا الوطنية والاجتماعية الأكثر حساسية.
ختامًا، إن انتقاد المنتخب شيء صحي، فهو ليس ملكًا لأحد بل ملك للجميع. وقد يقول البعض "اترك هذا الأمر للخبراء"، ولكني لست بعيدًا عن هذا المجال. فلدي فهم جيد لأغلب الألعاب البارالمبية وأعتبر نفسي شبه مختص في هذا المجال. لا أدعي أنني إعلامي، ولكني متابع جيد من خلال متابعتي المستمرة وسفري مع بعض البعثات الرياضية، من بينها على سبيل المثال بطولة آسيا المفتوحة لرفعات القوة في كوالالمبور بالعاصمة الماليزية عام 2013، والتي كانت مؤهلة لبطولة العالم في دبي عام 2014.
لذلك، أقول عن خبرة ومتابعة: من يريد فعلاً أن يخدم اللعبة، فليشارك بالدعم والمقترحات والمعلومات، لا بالاتهامات والانفعالات. فالنقد البنّاء ليس خصومة، بل هو الخطوة الأولى نحو تطوير هذه اللعبة التي تدور في نفس المكان منذ سنوات.
