الإعلام الرياضي الليبي: وهم الإنجاز وثقافة اللعبة الواحدة



يعاني الإعلام الرياضي في ليبيا من أزمة هيكلية ذات وجهين: أولهما، ثقافة رياضية ضيقة تحصر الاهتمام شبه الكامل بكرة القدم، مُهمِّشةً بذلك باقي الألعاب، خاصةً الأولمبية والبارالمبية. وثانيهما، وهو نتيجة مباشرة للأول، المبالغة في تصوير المشاركات الخارجية، حيث تُقدَّم للجمهور على أنها "إنجازات تاريخية"، بينما هي في جوهرها لا تتجاوز كونها مشاركات رمزية.

المثال الأوضح لهذا الخلل هو التغطية الإعلامية لمفهوم "مقاعد الشمولية" (Universality Places)، والتي يُشار إليها خطأً أو تبسيطًا بـ"بطاقات الدعوة". يتم توزيع هذه المقاعد في الألعاب الأولمبية عبر اللجنة الثلاثية (Tripartite Commission) التي تضم ممثلين عن اللجنة الأولمبية الدولية، واتحاد اللجان الأولمبية الوطنية، والاتحادات الدولية، كما يُطبق نظام مشابه في الألعاب البارالمبية عبر اللجنة البارالمبية الدولية. هذا النظام ليس مكافأة على التميز، بل هو آلية لضمان عالمية الألعاب عبر إتاحة الفرصة للدول ذات التمثيل المحدود للمشاركة، حتى لو لم يحقق رياضيوها الأرقام التأهيلية المطلوبة. الهدف هو توسيع قاعدة المشاركة العالمية، وليس الاحتفاء بالجدارة الفنية.

المشكلة أن أغلب المشاركات الليبية في الدورات الأولمبية والبارالمبية الأخيرة جاءت عبر هذه المقاعد المخصصة، وهو ما يتجاهله الإعلام الرياضي عمدًا أو جهلاً، فيقدمها للجمهور على أنها "تأهل رسمي" دون تدقيق. هذا التزيين للحقيقة لا يقتصر على تضليل الجمهور، بل يغطي على ضعف منظومي عميق في رياضة النخبة، التي تعجز عن صناعة بطل قادر على فرض نفسه في المحافل الدولية عن جدارة واستحقاق.

وتؤكد الأرقام صحة هذا الطرح بشكل قاطع؛ ففي أولمبياد باريس 2024، من بين 6 رياضيين ليبيين، تأهل رياضي واحد فقط بشكل مباشر (محمد بن دلة في الرماية)، ما يمثل 16.7% من البعثة، بينما شارك الخمسة الآخرون (83.3%) عبر بطاقات الدعوة. الأمر نفسه تكرر في الدورة البارالمبية، حيث اعتمدت البعثة بالكامل (100%) على بطاقات الدعوة، وشملت الرياضياتين أبرار البهلول (دفع الجلة للسيدات F64) وغزالة العقوري (رفعات القوة سيدات +86 كجم)، بالإضافة إلى وليد اشتيبة (دفع الجلة للرجال F63) الذي كان مسجلاً رسميًا لكنه لم يشارك في الدورة.

إن غياب الصحافة المتخصصة في الألعاب الأولمبية والبارالمبية، القادرة على تحليل الأرقام وفهم آليات التأهل المعقدة، جعل الساحة مرتعًا للعناوين الرنانة الخالية من المضمون. وبدلًا من أن يتناول الإعلام أسباب هذا الإخفاق بجدية، ويفتح ملفات الإعداد الرياضي الغائب، يكتفي بالاحتفاء بمشاركات شكلية لا تعكس الواقع التنافسي الحقيقي.

يجب على الإعلام الرياضي أن يكون جزءًا فاعلًا من الحل، لا جزءًا من المشكلة. دوره ليس مجرد نقل الأخبار أو الترويج للبطولات، بل يكمن في امتلاك الجرأة والمعرفة لتسليط الضوء على مواطن الخلل، وتثقيف الجمهور، والمساهمة في بناء وعي رياضي حقيقي. فالمصداقية أهم من المجاملة، والوعي أثمن من العناوين البراقة.

أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال