ليلى الأوجلي… مسيرة ريادة وتمكين لذوي الإعاقة في ليبيا

 


في مشهد مليء بالتحديات، برزت الدكتورة ليلى علي أحمد الأوجلي كأحد الأصوات الرائدة في ليبيا التي حملت على عاتقها قضية ذوي الإعاقة، ليس فقط من خلال دراستها الأكاديمية بل عبر حضورها الفاعل في المؤسسات التعليمية، الاجتماعية، والسياسية.

مسيرة أكاديمية راسخة

بدأت الأوجلي مشوارها العلمي من جامعة بنغازي حيث درست التربية وعلم النفس، لتتوج مسيرتها بالحصول على الدكتوراه في الفلسفة وعلم النفس التربوي من جامعة دمنهور بمصر عام 2022، بتخصص بحثي دقيق حول الإعاقة الحركية. واليوم تشغل منصب أستاذ مساعد بجامعة بنغازي  كلية التربية  شعبة التربية الخاصة، وهو موقع أكاديمي يتيح لها المساهمة في إعداد جيل جديد من المختصين في مجال التربية الخاصة.

وإلى جانب ذلك، حصدت عدة دكتوراه فخرية من هيئات ومؤسسات دولية تقديرًا لجهودها في مجال السلام وحقوق الإنسان.

تجربة إنسانية شكلت المسار

لم تولد الأوجلي بإعاقة، بل واجهت هذه التجربة إثر حادث سيارة عام 2000 غيّر مسار حياتها، لكنه لم يوقف عزيمتها. بل على العكس، جعلها أكثر إصرارًا على خوض مسيرة علمية ومجتمعية تُكرّس لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، انطلاقًا من تجربة شخصية منحتها وعيًا أعمق بما يواجهه الآخرون من تحديات.

مواقع قيادية مؤثرة

لم تتوقف مسيرة الأوجلي عند قاعات الجامعات، بل امتدت إلى مواقع قيادية مؤثرة، حيث تولت إدارة العجزة والمسنين وذوي الإعاقة بوزارة الشؤون الاجتماعية، كما شغلت منصب مستشارة لشؤون ذوي الإعاقة بمجلس شيوخ ليبيا، فضلًا عن عضويتها في لجان دولية ومنظمات إنسانية. هذا التدرج يعكس إيمانها بضرورة وجود صوت قوي لذوي الإعاقة في دوائر صنع القرار.

بحوث علمية ورؤية نقدية

قدمت الأوجلي سلسلة من الأبحاث العلمية في مجلات محكمة، تناولت قضايا مثل الاحتراق النفسي لدى معلمي التربية الخاصة، ودور الذات الإيجابية في إنجاز الطلاب ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى دراسات رائدة حول التوجهات الأسرية وحماية حقوق النساء ذوات الإعاقة المهاجرات.

مبادرات إنسانية ومجتمعية

لم تكن الأوجلي مجرد باحثة أو مسؤولة، بل ميدانية قريبة من هموم الناس. أطلقت العديد من المشاريع المجتمعية مثل "أنا معك"، "الطبيب المجاني لذوي الإعاقة"، ومشروع "مكاني" لرصف طرق القرية السكنية لذوي الإعاقة. كما قادت قوافل إغاثة لضحايا إعصار دانيال، ونظمت مبادرات لتوفير الاحتياجات المدرسية والغذائية للأسر الفقيرة من ذوي الإعاقة.

صوت يرفض الاستغلال

من بين رسائلها الملهمة، تصوغ الأوجلي فلسفتها في العبارة:

"لا للجسور تعني رفض استغلالك كوسيلة لتحقيق أهداف الآخرين على حسابك، أي تعكس هذه العبارة الحاجة إلى احترام كرامتك وتأكيد استقلاليتك، حيث تطالب بدعم حقيقي قائم على التفاهم والاحترام."

هذه المقولة ليست مجرد شعار، بل هي جوهر فكرها الذي يسعى إلى بناء علاقة متوازنة بين المجتمع والأشخاص ذوي الإعاقة، تقوم على الاعتراف بقدراتهم لا استغلال معاناتهم.

تكريمات محلية ودولية

حصدت الأوجلي سلسلة من التكريمات، أبرزها وسام ذوي الهمم من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بمناسبة اليوم الوطني للمرأة الليبية، ووسام السلامة المرورية من المؤتمر الدولي للسلامة، إلى جانب تكريمات من وزارات ومؤسسات حكومية داخل ليبيا وخارجها.

صوت المرأة ذات الإعاقة

تميزت الأوجلي بطرح قضايا المرأة ذات الإعاقة في المجتمع الليبي، معتبرة أن تمكينها لا ينفصل عن التمكين المجتمعي العام. وقدمت في هذا الإطار أوراقًا بحثية وندوات تناولت التحديات السياسية، الاقتصادية، والتعليمية للنساء ذوات الإعاقة، مركزة على أهمية دمجهن في الحياة العامة بعيدًا عن النظرة النمطية.


تجسد الدكتورة ليلى الأوجلي نموذجًا للإصرار والإبداع، فهي لم تكتفِ بكسر الحواجز التي فرضها عليها حادث مأساوي عام 2000، بل حولت الإعاقة إلى جسر للعبور نحو الريادة. ومن خلال مقولتها "لا للجسور"، تُذكر الجميع بأن كرامة الإنسان فوق كل اعتبار، وأن الدعم الحقيقي لذوي الإعاقة يجب أن يقوم على التمكين والاحترام، لا على الاستغلال والتهميش.



أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال