صرخة الكرامة: مرضى ضمور العضلات بين الإهمال وحق الحياة

 


إن المشهد يتكرر باستمرار الذي يتجسد فيه مرضى ضمور العضلات، وهم من أضعف الفئات جسديًا وصحيًا، يقفون تحت وطأة حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية، مطالبين بأبسط حقوقهم في العلاج والرعاية والكرامة الإنسانية، ليس مجرد تقصير عابر من الدولة، بل هو إهمال صارخ يمس جوهر كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. هذا الوضع يطرح تساؤلات جوهرية حول مفهوم العدالة ودور الدولة في حماية مواطنيها، لا سيما الفئات الأكثر ضعفاً.

العدالة الغائبة: عندما يضطر المريض للصرخة

العدالة تغيب عندما يُجبر مريض على الصراخ ليُسمع صوته، وحين تُصرف الميزانيات على أمور ثانوية بينما يُحرم المرضى من كرسي طبي أساسي أو دواء منقذ للحياة. العدالة غائبة بكل ما للكلمة من معنى عندما تكون الوقفة الاحتجاجية أقسى من ألم المرض نفسه، وتتحول ساحة المطالبة بالحق إلى ساحة معاناة إضافية. هذا المشهد يعري حقيقة أن الحقوق الأساسية لهؤلاء الأفراد قد أصبحت امتيازات يتسولونها، بدلاً من أن تكون حقوقاً مكفولة ومصانة بموجب القانون والدستور.


التناقض الصارخ: كرة القدم أم كرامة الإنسان؟

في سياق هذا الإهمال المؤلم، يبرز تناقض صارخ يثير علامات استفهام كبرى حول أولويات الدولة. ففي الوقت الذي يُترك فيه مرضى ضمور العضلات يصارعون من أجل أبسط حقوقهم في الحياة والعلاج، يأتي البيان الرسمي للاتحاد الليبي لكرة القدم، الصادر بتاريخ الثلاثاء 25 يونيو 2025، ليحمل بشرى سارة لعشاق اللعبة: دعم حكومي كامل لإقامة مرحلة سداسي التتويج للدوري الليبي الممتاز في ميلانو، للعام الثاني على التوالي. هذا الحدث، الذي يُنسق مع الاتحادين الليبي والإيطالي وبمشاركة جهات سياسية رفيعة، يُظهر استعدادًا لوجستيًا وفنيًا وإداريًا غير مسبوق، مع تدخل وزارة الخارجية لتأمين تسهيلات استثنائية. إنه مشهد يُبرز حجم الاهتمام والالتزام الرسمي بحدث كروي يُقام خارج الحدود، ويُشير بوضوح إلى توظيف سياسي للموضوع.

إن هذا التناقض في صرف الأموال العامة يطرح تساؤلات جدية حول مفهوم العدالة الاجتماعية وتوزيع الموارد. فكيف يمكن تبرير هذا الإنفاق السخي على فعالية رياضية ترفيهية خارج البلاد، بينما تعاني فئات مجتمعية ضعيفة من نقص حاد في أبسط مقومات الرعاية الصحية؟ هذا ليس مجرد سوء إدارة للموارد، بل هو مؤشر على خلل في سلم الأولويات، حيث تُقدم الوجاهة السياسية والترفيه على حساب صحة وكرامة المواطن.

الإطار القانوني الدولي والوطني: حق الصحة والكرامة

تؤكد المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على حق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية. كما أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي صادقت عليها العديد من الدول، تلزم الدول الأطراف بضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بالحق في الصحة دون تمييز، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم، بما في ذلك إعادة التأهيل.

على الصعيد الوطني، تتضمن دساتير معظم الدول الحديثة نصوصاً صريحة أو ضمنية تكفل الحق في الصحة والرعاية الاجتماعية، وتلزم الدولة بتوفيرها لمواطنيها. إن إهمال هذه الفئات الضعيفة لا يعد فقط خرقاً لهذه الالتزامات الدستورية والقانونية، بل هو أيضاً انتهاك للمبادئ الأخلاقية والإنسانية التي يجب أن تحكم أي مجتمع متحضر.

مسؤولية الدولة: حماية الفئات الأكثر ضعفاً

إن الدولة ليست مجرد كيان إداري، بل هي الضامن الأول لحقوق مواطنيها، خاصة من لا يملكون القدرة على حماية أنفسهم. تقع على عاتق الدولة مسؤولية أخلاقية وقانونية في توفير العلاج والرعاية الصحية الشاملة لمرضى ضمور العضلات، وضمان حصولهم على الأدوية اللازمة، وتوفير البيئة المناسبة التي تمكنهم من العيش بكرامة. هذا يتطلب تخصيص الميزانيات الكافية، وتطوير البنية التحتية الصحية، وتدريب الكوادر الطبية المتخصصة، وتسهيل وصول المرضى إلى الخدمات دون عوائق.

إن صمود هؤلاء المرضى، رغم ألم المرض ووطأة الحر، هو رسالة قوية لكل من يملك ضميراً. إنهم لا يطلبون امتيازات، بل حياة كريمة وعلاجاً يحفظ ما تبقى من قدرتهم على التنفس والعيش بكرامة. صوتهم الذي لا يُكسر، وصرختهم "نحن هنا، نريد أن نُعامل كبشر، لا أن نتسول حقنا في الحياة"، يجب أن يتردد صداه في أروقة صنع القرار.

دعوة إلى العدالة والرحمة

إن التضامن الكامل مع هؤلاء المرضى ليس مجرد واجب إنساني، بل هو ضرورة قانونية وأخلاقية. يجب على الدولة أن تستجيب لندائهم، وأن تتحمل مسؤولياتها كاملة، وأن تعمل على إرساء نظام صحي عادل وشامل لا يترك أحداً خلف الركب. لا ينبغي أن يُترك المرضى وحدهم في ساحة الشمس يتسولون حقوقهم، بل يجب أن يُؤخذوا إلى ظل العدالة والرحمة، حيث تُصان كرامتهم ويُكفل حقهم في الحياة والعلاج. إن بناء مجتمع عادل يبدأ بحماية أضعف أفراده.


للمزيد زورو صفحة رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا



أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال