تمكين الشباب الليبي ذوي الإعاقة من خلال جسور: خطوة طموحة بلا شفافية أو شمول حقيقي

 


أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالشراكة مع المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي، دفعة جديدة من برنامج "جسور" التدريبي الموجّه لفئة الشباب الليبيين من ذوي الإعاقة. ورغم أهمية المبادرة من حيث المبدأ، فإنها سرعان ما أثارت جملة من التحفّظات حول طبيعتها ومضمونها، خاصة في ظل غياب الشفافية، والإشراك الفعلي، والجدية المؤسسية، واستخدام خطاب مبهم لا يرقى لمستوى الحديث عن الحقوق

منذ الإعلان عن البرنامج، لم تُنشر أي معلومات واضحة عن معايير اختيار المشاركين، أو الجهات المنفذة، أو طبيعة التدريب، أو آلية التقييم. هذه الضبابية لا تعكس احترامًا للفئة المستهدفة، بل توحي بأن البرنامج يُدار بطريقة فوقية، بدون مشاركة مجتمعية، ولا مساءلة معلنة.

ورغم استخدام بعض المصطلحات المألوفة مثل "الإدماج" و"الشراكة"، إلا أن الواقع يكشف غياب أي إشراك فعلي لأشخاص من ذوي الإعاقة أو للمنظمات التي تمثلهم. فبدلًا من إشراكهم في تصميم البرنامج وتنفيذه ومراقبته، تم التعامل معهم كـ"مستفيدين" صامتين، وليس كأصحاب قضية وحقوق.

بل إن أبسط مظاهر الشمولية غابت عن الحدث: إذ أقيم الإعلان الرسمي عن البرنامج في مكان غير مهيأ لذوي الإعاقة، ما يعكس حجم التناقض بين الخطاب والممارسة. فكيف يمكن الحديث عن بناء "جسور التمكين" في حين أن الطريق إليها ما زال غير ممهّد حتى ماديًا؟

وما يزيد من ضعف الصورة، هو الأداء الباهت للوزارات المشاركة، التي اكتفت كالعادة بالحضور الرمزي والتصريحات العامة. وعلى رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية، التي لم تقدم حتى اليوم أي تصور استراتيجي واضح لتطوير أوضاع ذوي الإعاقة في ليبيا. وكذلك وزارة العمل والتأهيل، ووزارة التعليم التقني والفني، اللتان لم تنقلا التعاون مع الجهات الدولية إلى مستوى السياسات الفعالة.

وفي جانب لا يقل خطورة، لوحظ أن بعض النصوص الرسمية المرتبطة بالمبادرة استخدمت مصطلح "الفئة" للإشارة إلى الأشخاص ذوي الإعاقة. وهذا المصطلح، رغم شيوعه محليًا، يُعد مجحفًا ومبهمًا من منظور حقوقي، ولا ينسجم مع اللغة الواضحة التي تعتمدها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. استخدام تعبير "الفئة" يُضعف الاعتراف بالحقوق، ويفرغ الخطاب من مضمونه، ويُبقي الأشخاص المعنيين في موقع المتلقّي الغامض لا الشريك الفاعل. احترام المصطلح ليس ترفًا، بل هو مدخل لاحترام الكرامة.

أما على مستوى السياسات العامة، فالمبادرات الموجهة للأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا لا تزال دون الحد الأدنى المقبول. والسبب الرئيسي في ذلك هو غياب استراتيجية وطنية شاملة ترتكز على الحقوق، وتُبنى على مشاركة المعنيين أنفسهم، انطلاقًا من المبدأ المعروف: "لا شيء عنا بدوننا".

ونحن – كأفراد من هذه الشريحة – نرفض أن نكون مجرد صور في تقارير دعائية، أو عناوين لبرامج استهلاكية محدودة النطاق. التمكين الحقيقي لا يكون بتدريب عشرات في غرفة مغلقة، بل بإشراك الآلاف في رسم السياسات، ومراجعة القوانين، وصياغة رؤية وطنية عادلة.

إذا كانت ليبيا تسعى فعليًا نحو بناء مجتمع أكثر شمولًا، فعليها أن تتخلى عن نهج العلاقات العامة، وتنتقل إلى مسار الجدية: شفافية، مساءلة، إشراك فعلي، ومصطلحات تحترم الإنسان لا تُهمّشه.

 قد تكون "جسور" مبادرة طموحة على الورق، لكن طالما غابت عنها المشاركة الحقيقية والشفافية والمكان المهيأ واللغة الدقيقة، فستظل مجرد مشروع نظري بلا جذور مجتمعية… أشبه بجسر معلق في الهواء، لا يؤدي إلى أي ضفة حقيقية.

أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال