في تطوّر صادم وغير مسبوق، أعلن الاتحاد الدولي لرياضة البوتشيا (World Boccia) عن توجيه نداء عاجل إلى السلطات الليبية، بعد منع المنتخب الوطني الليبي لرياضة البوتشيا للأشخاص ذوي الإعاقة من السفر إلى القاهرة، للمشاركة في البطولة الإفريقية المؤهلة إلى كأس العالم 2026، التي تستضيفها العاصمة المصرية في الفترة ما بين 28 يوليو و3 أغسطس 2025.
النداء جاء في خطاب رسمي وقّعه المدير التنفيذي للاتحاد الدولي، السيد بول تراينر، بتاريخ 28 يوليو 2025، عبّر فيه عن "قلق بالغ" إزاء استبعاد المنتخب الليبي نتيجة "عدم توفير التمويل اللازم من قبل وزارة الرياضة الليبية". وذكّر تراينر في خطابه أن المنتخب الليبي كان قد مثّل بلاده مؤخرًا في بطولة التحدي الدولية بالبحرين، وقدم أداءً لافتًا يستحق به الوجود في البطولة الإفريقية، باعتبارها خطوة حاسمة نحو التأهل إلى بطولة العالم المقبلة التي ستُقام في سيول، كوريا الجنوبية.
وأضاف تراينر:
"رياضة البوتشيا تمثّل واحدة من أكثر الرياضات تحدّيًا في الحركة البارالمبية، ويشارك فيها رياضيون من ذوي الإعاقة الأشد. هؤلاء اللاعبون يُظهرون شجاعة استثنائية وإصرارًا يستحقان كل الدعم والاعتراف، وليس التجاهل أو الإقصاء."
وزارة الرياضة تتخلّى عن التزاماتها
بحسب مصادر رسمية من اللجنة الفنية لرياضة البوتشيا في ليبيا، فإن الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي قد قامت بتأمين تذاكر السفر لبعثة المنتخب الليبي، في حين كانت وزارة الرياضة مطالبة بتغطية تكاليف الإقامة والمعيشة. إلا أن الوزارة، ولأسباب غير واضحة حتى اللحظة، تراجعت عن التزاماتها في اللحظات الأخيرة، ما أدى إلى إلغاء السفر المقرر مساء الإثنين 28 يوليو في تمام الساعة 6:30 من مطار معيتيقة الدولي.
الحرمان من المشاركة لم يكن بسبب الإخفاق الفني أو نقص الجاهزية؛ بل جاء رغم اكتمال التحضيرات الفنية والإدارية للمنتخب، الذي ضم مجموعة من أبرز اللاعبين الليبيين:
- مسعودة الجويفي
- هديل الأصيفير
- حمزة الهمالي
- نوارة سعد
- طه يحيى
- علاء أبوخطام
- محمد النويجي
- وليد الشعافي
وأكدت اللجنة الفنية أن المنتخب كان في "أتم الجاهزية الفنية والنفسية" للمشاركة، بفضل برنامج تدريبي مكثف امتد لأسابيع، هدف إلى رفع اسم ليبيا في محفل قاري هام، وفتح آفاق جديدة أمام اللاعبين نحو العالمية.
البطولة انطلقت... وليبيا غائبة قسرًا
انطلقت البطولة الإفريقية بمشاركة منتخبات من مصر (الدولة المستضيفة)، تونس، جنوب أفريقيا، ناميبيا، فيما سُجّل غياب ليبيا عن المنافسات، ليس بقرار فني أو بسبب ظروف قاهرة، بل نتيجة تخلٍّ حكومي واضح عن دعم رياضيين يمثلون شريحة مهمشة أصلًا، يعانون أصعب التحديات البدنية ويواجهون تجاهلًا مؤسسيًا لا مبرر له.
نداء عاجل ورسالة قوية
أنهى بول تراينر خطابه بتأكيد استعداد الاتحاد الدولي للبوتشيا لتقديم أي دعم أو مساعدة ممكنة لضمان مشاركة ليبيا في هذه البطولة أو في الاستحقاقات المقبلة، مؤكدًا أن:
"غياب ليبيا عن هذه البطولة ليس فقط خسارة رياضية، بل إشارة مقلقة إلى وجود تمييز مؤسسي متجذّر تجاه رياضات الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا. هؤلاء الرياضيون لا يحتاجون إلى شفقة، بل إلى التزام فعلي ودعم عملي."
تساؤلات وانتقادات
غياب المنتخب الوطني بسبب "خلاف مالي داخلي" يسلّط الضوء من جديد على هشاشة الدعم المؤسسي للرياضة البارالمبية في ليبيا، ويثير تساؤلات خطيرة حول أولويات وزارة الرياضة، وغياب أي سياسة وطنية واضحة لتمكين الرياضيين ذوي الإعاقة من التمثيل الخارجي والمشاركة في المحافل الدولية.
هل من المقبول أن تُفرّط الدولة في فرصة تأهل إلى كأس العالم، بسبب عجزها عن تغطية تكاليف إقامة لبضعة أيام؟ أين هي السياسات التي تتغنّى بالإدماج والمساواة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؟ من يتحمّل المسؤولية الأخلاقية والرياضية عن هذه الفضيحة؟
في الوقت الذي ترفع فيه الدول الرايات لتكريم أبطالها من ذوي الإعاقة، يُترك أبطال ليبيا خلف الحواجز، يُمنعون من السفر، وتُكسر أحلامهم على أعتاب بيروقراطية عاجزة.
هكذا يُكافَأ الإصرار في ليبيا.