
منذ إدراج منافسات الكراسي المتحركة لأول مرة في بطولة ويمبلدون عام 2001 ضمن فئة الزوجي، ثم إدخال منافسات الفردي في 2016، أصبحت هذه الفئة واحدة من أكثر الجوانب إلهامًا في بطولات التنس الكبرى (الغراند سلام). وعلى مدار أكثر من عقدين، تطورت هذه الفئة من حضور رمزي إلى مشهد تنافسي عالمي تتصارع فيه أبرز الأسماء، وتعكس قيم الإرادة والتميز والعدالة الرياضية.
في نسخة ويمبلدون 2025، التي أقيمت في لندن من 30 يونيو حتى 13 يوليو 2025، برزت منافسات الكراسي المتحركة كأحد العناوين البارزة للبطولة. وجاءت هذه النسخة تحت أجواء مشمسة غير معتادة، في مفارقة نادرة حيث لم تؤثر الأمطار المعتادة على سير المباريات، مما منح اللاعبين فرصة لإظهار كامل إمكانياتهم في أجواء مثالية.
تصنيفات وأرقام قبل انطلاق البطولة
دخل الياباني توكيتو أودا البطولة وهو المصنف الأول عالميًا في فئة فردي الرجال، ويُعتبر أصغر لاعب يتوّج بلقب غراند سلام في هذه الفئة بعمر 17 عامًا. أما البريطانية يوي كاميجي فكانت تتصدر تصنيف السيدات، وتحمل في رصيدها أكثر من 10 ألقاب غراند سلام، مما جعل خسارتها أمام الصينية وانغ زيينغ مفاجأة كبرى.
فردي الرجال: توكيتو أودا يحافظ على اللقب
واصل النجم الياباني الشاب توكيتو أودا تألقه العالمي وأثبت أنه الرقم الأصعب في فئة الكراسي المتحركة. فقد توج بلقب فردي الرجال بعد فوزه على البريطاني المخضرم ألفي هيويت في مباراة مثيرة امتدت لثلاث مجموعات (3-6، 7-5، 6-2).
هذا الفوز لم يكن مجرد انتصار في مباراة، بل كان تأكيدًا على سيطرة أودا على الساحة العالمية، حيث أصبح يحمل في رصيده 6 ألقاب غراند سلام رغم صغر سنه، و2 منها في ويمبلدون.
فردي السيدات: الصينية وانغ زيينغ تكتب التاريخ
حققت اللاعبة الصينية وانغ زيينغ مفاجأة البطولة، بعد فوزها المستحق على اليابانية صاحبة الخبرة يوي كاميجي بنتيجة مباشرة 6-3، 6-3، لتصبح أول لاعبة صينية تفوز بلقب فردي غراند سلام في الكراسي المتحركة.
وانغ، التي أظهرت هدوءًا وثقة منذ بداية البطولة، لم تترك مجالًا للشك في تفوقها الفني والذهني. وقد جاء انتصارها بمثابة تحوّل مهم في خارطة التنس على الكراسي، خصوصًا مع تزايد حضور اللاعبين واللاعبات من شرق آسيا.
الزوجي مفاجآت كبرى على مستوى الفرق
في منافسات الزوجي، حملت النتائج الكثير من التغيير على صعيد الهيمنة التقليدية:
في زوجي الرجال، تمكّن الثنائي مارتين دي لا بونتي (إسبانيا) وروبن سبارغارين (هولندا) من كسر سلسلة الانتصارات البريطانية، بعد فوزهما على الثنائي القوي هيويت وريد بنتيجة 7-6 (7-1)، 7-5.
أما في زوجي السيدات، فقد عززت الصين هيمنتها عبر فوز وانغ زيينغ مجددًا إلى جانب مواطنتها لي شياوهوى، ليحرزا اللقب بعد أداء قوي.
تغطية إعلامية غير مسبوقة
لأول مرة، خُصّصت تغطية تلفزيونية مباشرة لجميع مباريات الكراسي المتحركة ضمن بث قناة BBC Sport البريطانية، وظهرت لقطات موسعة في نشرات الأخبار الرياضية، مما منح هذه الفئة حضورًا متزايدًا لم يكن مألوفًا في السنوات السابقة. كما قامت منصة ويمبلدون الرسمية بنشر ملخصات ومقابلات حصرية مع اللاعبين على مواقع التواصل الاجتماعي.
غياب لافت لتمثيل أفريقيا والشرق الأوسط
رغم التنوع الكبير في جنسيات المشاركين هذا العام، إلا أنّ الحضور من دول أفريقيا والشرق الأوسط كان شبه منعدم، وهو ما يعكس فجوة كبيرة في فرص التأهيل، والدعم المؤسسي، ونقص البنية التحتية لرياضات ذوي الإعاقة في هذه المناطق.
التمثيل المنخفض من هذه المناطق يشكّل خسارة للطرفين: من جهة يُحرم الرياضيون من فرص المنافسة العالمية، ومن جهة أخرى يُفقد التنس العالمي تنوّعًا ثقافيًا ومجتمعيًا غنيًا من مناطق تمتلك مواهب حقيقية بحاجة فقط إلى الدعم والتأهيل.
ويمبلدون... أكثر من بطولة
رسالة ويمبلدون هذا العام كانت واضحة: رياضة الكراسي المتحركة ليست "ملحقًا" للمنافسات، بل جزء أصيل من الحدث العالمي، بكل ما تحمله من دراما، قوة، تحدٍّ، وإلهام.
مشاهدة لاعب يفوز بعد العودة من إصابة، أو لاعبة تكتب التاريخ باسم بلادها لأول مرة، تجعل من هذه الفئة نموذجًا حيًّا للرياضة التي تتجاوز الإنجاز لتصنع معنى جديدًا للبطولة.
بطولة ويمبلدون 2025 للكراسي المتحركة كانت استثنائية على كل المستويات: من الطقس المشمس النادر في لندن، إلى التحولات الكبرى في التتويج، وظهور وجوه جديدة غيرت المعادلات.
لكنها أيضًا أعادت التذكير بالتحديات القائمة، خاصة غياب بعض المناطق عن الخريطة التنافسية، والحاجة لتوسيع قاعدة الفرص عالميًا.
ويمبلدون لم تكن مجرد منافسة، بل مشهد إنساني وملحمي يُكتب على الكراسي المتحركة... في قلب واحدة من أعرق البطولات على الإطلاق.