في خطوة حاسمة تؤكد اتجاه السياسة الأمريكية نحو تشديد الرقابة على الهجرة والدخول إلى أراضيها، وقّع الرئيس الأمريكي قرارًا يقضي بفرض حظر كلي على دخول مواطني عدد من الدول إلى الولايات المتحدة، من بينها ليبيا. القرار شمل 12 دولة هي: أفغانستان، بورما (ميانمار)، تشاد، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتيريا، هايتي، إيران، ليبيا، الصومال، السودان، واليمن
وفي المقابل، فرضت الإدارة الأمريكية قيودًا جزئية على دخول أشخاص من سبع دول أخرى، وهي: بوروندي، كوبا، لاوس، سيراليون، توغو، تركمانستان، وفنزويلا..ويبدأ تنفيذ القرار يوم الإثنين 9 يونيو
خلفية القرار: تحقيقات أمنية وتحذيرات قديمة
القرار الجديد لم يأتِ من فراغ. بل سبق للرئيس الأمريكي، منذ عهد إدارة دونالد ترامب، أن أصدر توجيهات لوزارة الخارجية بإجراء دراسة شاملة حول الدول التي لا تتعاون أمنيًا مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ما يتعلق بتزويد السفارات الأمريكية ببيانات دقيقة وموثوقة حول الأشخاص الراغبين في الحصول على تأشيرات الدخول.
وقد تبين من هذه الدراسة أن بعض الدول، ومن بينها ليبيا، تفتقر إلى سلطة مركزية قادرة على إصدار جوازات سفر أو وثائق مدنية يمكن الوثوق بها. كما عزز القرار الأمريكي حجته بالإشارة إلى التاريخ الإرهابي والانتشار السابق للجماعات المسلحة على الأراضي الليبية، ما يزيد من خطر تسلل عناصر مشبوهة إلى الولايات المتحدة، وفق تعبير الوثيقة الرسمية.
كما أشار تقرير وزارة الخارجية إلى أن أنظمة الوثائق في بعض الدول تعاني من اختراقات وتزوير واسع النطاق، كما في حالة سوريا سابقًا، حيث وُجِّهت اتهامات إلى النظام آنذاك بمحاولات استغلال الفوضى لنقل عناصر أمنية ومهربين إلى الولايات المتحدة، في عمليات تستهدف زعزعة الأمن القومي الأمريكي.
مهلة 90 يومًا... لمن تبقّى له أمل
ولم يكن الحظر شاملًا للجميع فورًا، إذ أعطت وزارة الخارجية الأمريكية مهلة مدتها 90 يومًا لبعض الدول لتصحيح أوضاعها، وتحسين مستويات التعاون الأمني، من خلال تطوير أنظمة التحقق من الوثائق، والتواصل مع الجهات الأمريكية المختصة.
ليبيا: دولة بلا سلطة... والمواطن يدفع الثمن
أما في الحالة الليبية، فقد جاء التبرير واضحًا وموجعًا:
"لا توجد سلطة مركزية ذات كفاءة أو متعاونة لإصدار جوازات السفر أو الوثائق المدنية في ليبيا."
وهذا التصريح الرسمي يعكس حقيقة يعلمها المواطن الليبي جيدًا، لكنه كان يأمل ألّا تصبح مبررًا لعقاب جماعي يُمارَس عليه. فالعالم يرى اليوم ليبيا كبلد فاشل لا يمكن الوثوق بمؤسساته، ولا يمكن ضمان هوية مواطنيه أو خلفياتهم الأمنية. جواز السفر الليبي لم يعد مجرد وثيقة ضعيفة دوليًا، بل أصبح رمزًا للفوضى والانهيار السيادي.
الاتحاد الأفريقي يرد: لا تُعاقبوا شعوبنا بقرارات شاملة
في رد فعل رسمي، أعربت مفوضية الاتحاد الأفريقي عن قلقها العميق تجاه القرار الأمريكي، معتبرة أن مثل هذه الإجراءات قد تضر بالعلاقات طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية.
وطالبت المفوضية بنهج أكثر توازنًا وتعاونًا، واحترامًا لكرامة الشعوب، داعية إلى "التشاور البنّاء والانخراط في حوار يعالج جذور الأزمة، لا نتائجها فقط".
شهادة شخصية: "زرت أمريكا عام 2010... والفيزا خرجت في نفس اليوم"
قبل 15 عامًا تقريبًا، في عام 2010، سافرت بنفسي إلى الولايات المتحدة، تحديدًا إلى ولاية أوكلاهوما، وأتذكر جيدًا أن الحصول على تأشيرة الدخول لم يكن أمرًا صعبًا إطلاقًا. بل العكس تمامًا، خرجت التأشيرة في نفس يوم التقديم، وكان التعامل راقيًا ومحترمًا، دون أي توجس أو تشكيك بسبب الجنسية الليبية.
اليوم، وبعد كل ما مرّت به البلاد من فوضى وانهيار سياسي، أصبح المواطن الليبي محاصرًا حتى في صورته خارج الحدود، محرومًا من حقه في التنقل، ومتهمًا فقط بسبب جواز سفره.
المواطن الليبي بين مطرقة العالم وسندان نخبة عاجزة
يبقى السؤال المؤلم: هل يُعاقب المواطن الليبي لأنه يشكل خطرًا؟ أم لأن بلاده لا تملك من يمثلها بكرامة وكفاءة في المجتمع الدولي؟
الإجابة يعرفها الليبيون جيدًا. فمن يعيش في بلد تُدار بعقلية الميليشيات، وتتقاسم فيه جماعات الأمر الواقع النفوذ، ولا توجد فيه حكومة موحدة، ولا جهاز أمني موثوق، لا يمكنه أن ينتظر من العالم سوى الحذر، وربما الإقصاء.
والمؤسف أكثر، أن النخبة السياسية الليبية لم تصدر حتى الآن أي رد رسمي، لا رفضًا ولا توضيحًا ولا حتى شعورًا بالمسؤولية تجاه ما يواجهه المواطن. لا بيانات، لا تواصل دبلوماسي، لا خطط للرد. فقط صمتٌ ثقيل يُضاف إلى سجل من الفشل المُزمن.
هذا القرار الأمريكي ليس مجرد وثيقة قانونية، بل صفعة سيادية على وجه دولة فقدت مكانتها في العالم. الموضوع ليس أنك لا تستطيع السفر، بل أن العالم لم يعد يراك مواطنًا لدولة، بل مجرد رقم في منطقة رمادية تفتقر للثقة.