في اليوم الوطني لتكنولوجيا المعلومات: هل السياسات الرقمية في ليبيا تراعي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؟



يُصادف الأول من يونيو من كل عام اليوم الوطني لتكنولوجيا المعلومات في ليبيا، وهو مناسبة وطنية يُفترض أن تحتفي بالتحول الرقمي، وتعزز قيم الشمول والعدالة الرقمية. لكن الواقع يكشف فجوة كبيرة في تصميم السياسات الرقمية، خاصة فيما يتعلق بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول إلى التكنولوجيا والمعلومات.

واقع مرير: التكنولوجيا تُقصي بدل أن تدمج

رغم الجهود الحكومية في رقمنة بعض الخدمات، إلا أن أغلب المنصات الرقمية في ليبيا – من المواقع الرسمية إلى التطبيقات العامة – تفتقر إلى أبسط معايير النفاذ الرقمي. كما أن الاعتماد المفرط على صفحات فيسبوك لنشر المعلومات الحكومية يزيد من تعقيد المشهد، ويُقصي فئات واسعة، لا سيما الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، والسمعية، والمعرفية.

من الأمثلة الشائعة على هذا التهميش:

  1. عدم وجود خيارات لتكبير النصوص أو تعديل التباين في المواقع.
  2. غياب التوصيف النصي للصور، وهو أمر ضروري لمستخدمي قارئات الشاشة.
  3. استحالة تصفح بعض المواقع دون استخدام الفأرة، مما يُقصي مستخدمي لوحة المفاتيح فقط.
  4. عدم وجود لغة مبسطة أو رموز توضيحية للمستخدمين ذوي الإعاقات الذهنية.
  5. خلو المنشورات الحكومية من لغة الإشارة أو النصوص البديلة للفيديوهات.

الاعتماد على فيسبوك: أزمة نفاذ للمعلومة

تعتمد المؤسسات الليبية بشكل مفرط على صفحات فيسبوك كمصدر أساسي للإعلانات والإرشادات، وهو ما:

  • يُقيّد الوصول للمعلومة الرسمية، خاصة لمن لا يستخدمون المنصة أو يجدون صعوبة تقنية فيها.
  • يُخل بحق الأرشفة والشفافية والمساءلة.
  • يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول إلى المعلومات.


النموذج الفرنسي: كيف تصنع القوانين فرقًا؟

للمقارنة، نجد أن فرنسا قد خطت خطوات مهمة في هذا المجال. فقد أقرّت قانونًا رائدًا سنة 2005 (قانون رقم 2005-102) الذي يُلزم المؤسسات العامة بضمان النفاذ إلى البيئة الرقمية للأشخاص ذوي الإعاقة.

هذا القانون نتج عنه اعتماد إطار خاص يُعرف باسم RGAA (Référentiel Général d’Amélioration de l’Accessibilité)، الذي يستند إلى المعايير العالمية مثل WCAG.

وفي عام 2016، صدر قانون الجمهورية الرقمية، الذي عزّز حق المواطنين، بمن فيهم ذوو الإعاقة، في الوصول العادل إلى الخدمات والمعلومات الرقمية. وينص القانون على وجوب تكييف كل موقع حكومي فرنسي معايير النفاذ الرقمي، مع فرض غرامات في حال عدم الالتزام.

ليبيا بحاجة إلى تشريع رقمي شامل

الوضع في ليبيا يتطلب تدخلاً تشريعيًا وتنظيميًا واضحًا لضمان أن يشمل التحول الرقمي الجميع دون استثناء، عبر الإجراءات التالية:

  • صياغة قانون وطني للنفاذ الرقمي، يتماشى مع الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
  • إلزام كل مؤسسة حكومية بتطبيق معايير WCAG الدولية على مواقعها وتطبيقاتها.
  • تدريب الموظفين والمطورين على مبادئ التصميم الشامل (Inclusive Design).
  • إشراك منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة في مراجعة وتقييم الحلول الرقمية.

تطوير بوابة حكومية موحدة تسهّل الوصول إلى كل الخدمات، بشكل مبسط ومتعدد الوسائط.

الحق في الوصول إلى التكنولوجيا والمعلومة ليس ترفًا، بل هو حق أساسي. ولا يمكن الحديث عن "تحول رقمي" في ليبيا دون الحديث عن عدالة رقمية تضمن أن لا يُقصى أي مواطن بسبب إعاقته.

في اليوم الوطني لتكنولوجيا المعلومات، آن الأوان أن نُحوّل الشعار إلى سياسات حقيقية على الأرض، تُعيد الاعتبار لكل من حُرم من المشاركة الرقمية.



أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال