في الرابع من فبراير 2025، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تشكيل لجنة استشارية مستقلة، ضمّت 20 شخصية ليبية من ذوي الخبرة في مجالات السياسة والقانون والدستور والانتخابات. هدف اللجنة، كما جاء في بيان البعثة، هو كسر الجمود السياسي، ومعالجة القضايا الخلافية التي تعرقل تنظيم الانتخابات، ووضع مقترحات "قابلة للتطبيق" تعيد البلاد إلى مسار الاستقرار والتوافق.
خلال أشهر من العمل، التقت اللجنة في طرابلس وبنغازي، وأعدّت تقريرًا مفصلًا سلّمته للبعثة الأممية في 5 مايو 2025، تضمن خيارات لخريطة طريق نحو انتخابات رئاسية وتشريعية، وتوصيات بشأن شروط الترشح، الطعون الانتخابية، تمثيل المرأة، والمكونات الثقافية وغيرها. هذا الجهد مثّل خطوة مهمة وجادة نحو إنهاء الانقسام وإعادة بناء المؤسسات الليبية.
لكن وسط كل هذا الزخم، يبرز سؤال مؤلم ومُحرج في آن واحد:
أين تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة؟
غياب غير مبرر
رغم إشادة التقرير بالتنوع الجغرافي والثقافي و"الحضور الفاعل للمرأة"، لم يرد أي ذكر صريح أو ضمني لمشاركة أشخاص ذوي إعاقة ضمن تشكيلة اللجنة أو حتى كموضوع في مناقشاتها. وهذا التجاهل ليس فقط إقصاءً سياسيًا، بل أيضًا خرقٌ لحقوق الإنسان، يتنافى مع التزامات ليبيا الدولية، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) التي صادقت عليها ليبيا منذ أكثر من عقد.
من المؤسف أن اللجنة، التي أُنشئت تحت مظلة الأمم المتحدة، لم تضع نصب عينيها ضرورة ضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة، وهم شريحة تُقدّر بنحو نصف مليون مواطن ليبي، في تحديد مصيرهم السياسي، لا كمستفيدين من خدمات، بل كأصحاب قرار ورأي.
العدالة الانتخابية لا تكتمل دونهم
من القضايا التي تناولها التقرير بالتفصيل: تمثيل المرأة، تمثيل المكونات الثقافية، وتحديد مقاعد مخصصة لهؤلاء. لكن لا نجد معاملة مماثلة للأشخاص ذوي الإعاقة، رغم أن الدستور الليبي المؤقت ينص على المساواة وعدم التمييز، وكذلك خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي (2020) التي تحدثت عن شمولية العملية الانتخابية.
بل إن التقرير ذاته أشار إلى ضعف "التمثيل العادل" لبعض الفئات، داعيًا إلى إصلاحات قانونية لضمان إدماجهم. فكيف يُطلب التمثيل الثقافي والجهوي، ويُغفل التمثيل القائم على التمييز الجسدي أو الحسي؟
المشاركة السياسية حق... لا امتياز
في العديد من الدول، بات حضور الأشخاص ذوي الإعاقة في البرلمانات والهيئات الاستشارية أمرًا طبيعيًا، بل وضروريًا لتحقيق شمولية القرارات. فلماذا ما زال في ليبيا يتم التعامل مع هذه الفئة بمنطق "التهميش الصامت"؟ أليس من الأولى أن يكون لهم صوت داخل اللجنة المكلفة بصياغة حلول لمستقبلهم؟
الانتخابات ليست مجرد صندوق اقتراع. بل هي منظومة متكاملة من الإجراءات والضمانات والتشريعات، تبدأ من الترشح، وتنتهي بإعلان النتائج. وكل مرحلة من هذه المراحل تتطلب إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، سواء من حيث إمكانية الوصول، أو حق الترشح، أو الاعتراف بهم كمواطنين كاملين.
دعوة لإعادة التصحيح
إن غياب الأشخاص ذوي الإعاقة عن اللجنة الاستشارية لا يمكن تبريره بأي شكل. بل يجب أن يكون دافعًا لمراجعة عمل اللجنة والبعثة الأممية على حد سواء. ويجب على الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني أن يطالبوا علنًا:
- بإشراك ممثلين عن الأشخاص ذوي الإعاقة في أي مشاورات مستقبلية تخص المرحلة الانتقالية أو العملية الانتخابية.
- بمراجعة القوانين الانتخابية لضمان حقوقهم في الترشح والتصويت.
- بتوفير ضمانات عملية تُمكنهم من المشاركة في الحملات الانتخابية وفي مراكز الاقتراع.
لا شرعية بدون شمول
خطوة تشكيل اللجنة الاستشارية كانت، ولا تزال، مهمة، وربما تمثل بارقة أمل وسط الانسداد السياسي المزمن. ولكن الشرعية التي نبحث عنها لن تكتمل دون أن تكون شاملة حقًا. ولا يمكن الحديث عن انتخابات عادلة، دون أن تكون مُتاحة ومتاحة للجميع، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة.
ولعل في تصحيح هذا الخطأ ـ ولو بأثر رجعي ـ بداية لعدالة حقيقية تشمل الجميع.