في ظل تزايد الحاجة إلى تطوير رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا، أجد نفسي اليوم، وبكل مسؤولية، أدعو إلى إصلاح جذري وشامل للجنة البارالمبية الليبية، بما يتماشى مع المبادئ الحقوقية الدولية، وبما يليق بمكانة الأشخاص ذوي الإعاقة وحقهم في ممارسة الرياضة ضمن بيئة عادلة ومنصفة.
لقد آن الأوان أن ننتقل باللجنة البارالمبية الليبية من واقعها الحالي إلى مؤسسة رياضية حديثة، قادرة على أداء دورها وفقًا للمعايير الدولية التي تنظم عمل اللجان البارالمبية حول العالم. فاللجنة يجب أن تكون مؤسسة مستقلة، شفافة، ديمقراطية، تضع حقوق الرياضيين ذوي الإعاقة في قلب أولوياتها.
ولا يفوتني هنا أن أعبّر عن تقديري واحترامي للجهود التي بذلتها إدارة اللجنة البارالمبية الليبية الحالية، والتي سعت رغم كل التحديات إلى استمرار نشاط اللجنة وتنظيم عملها. ومع ذلك، فإن المرحلة الراهنة تتطلب مزيدًا من التطوير والتحديث، والارتقاء بالأداء المؤسسي بما يحفظ هيبة ومكانة اللاعب الليبي، ويصون حقوقه الرياضية والإنسانية على أعلى المستويات، أسوة بما هو معمول به في اللجان البارالمبية المتقدمة.
ومن باب الصراحة والمسؤولية، لا بد أن أوضح أنني كنت أحد مؤسسي الإعلام الإلكتروني للجنة البارالمبية الليبية. وبحكم قربي من هذا العمل، أقر بأنني أتحمل أيضًا جزءًا من مسؤولية التقصير الذي حدث خلال السنوات الماضية.
إن الاعتراف بالمساهمة في الخلل هو الخطوة الأولى نحو التغيير الحقيقي، وهو ما يدفعني اليوم إلى الإصرار على ضرورة الإصلاح الجذري والشامل.
من المؤسف أن اللجنة البارالمبية الليبية، خلال الدورات البارالمبية الأخيرة، لم تحقق أي نتائج تذكر، حيث لا تزال ليبيا حتى اليوم تمتلك ميدالية واحدة فقط — ميدالية برونزية تحققت في دورة الألعاب البارالمبية سيدني 2000.
والأكثر مدعاة للقلق أن المشاركات الليبية في الدورات الأخيرة اقتصرت على بطاقات الدعوة المجانية (wild card) التي تمنحها اللجنة البارالمبية الدولية إلى الدول ذات الأداء الضعيف، وهي بطاقات تُعطى مجانًا دون الحاجة إلى تحقيق معايير التأهل الصارمة.
إن هذا الواقع يعكس غياب التخطيط الفني طويل الأمد، ويدعو بوضوح إلى إصلاح شامل يضع الرياضي الليبي على مسار التأهيل والمنافسة الحقيقية.
إنني أؤمن أن عملية الإصلاح يجب أن ترتكز على مجموعة من المبادئ الأساسية، وهي:
تعزيز الشفافية: عبر نشر كافة القرارات، الميزانيات، والبرامج بشكل علني ومنتظم.
دمقرطة الإدارة: بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، تضمن تمثيل الرياضيين ذوي الإعاقة أنفسهم في مواقع صنع القرار
وضع الرياضيين أولًا: بإعطائهم دورًا حقيقيًا في وضع السياسات الرياضية والخطط المستقبلية.
الالتزام بالمعايير الدولية: عبر الالتزام الكامل بقواعد اللجنة البارالمبية الدولية (IPC) ومعايير النزاهة الرياضية وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، من الضروري أيضًا أن تحظى اتحادات الألعاب الرياضية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة بالاستقلال الإداري والمالي الكامل عن اللجنة البارالمبية.
فالاستقلالية تتيح لهذه الاتحادات إدارة شؤونها الفنية والتنظيمية باحترافية، والتركيز على تطوير كل لعبة بشكل متخصص وعلمي، بما يسهم في رفع كفاءة الرياضيين ومستوى الرياضة البارالمبية الليبية بشكل عام.
إن ترك اللجنة البارالمبية الليبية على وضعها الحالي لا يخدم تطلعات الرياضيين، ولا يواكب التقدم الذي تشهده الرياضات البارالمبية حول العالم. إننا بحاجة إلى عمل جماعي جاد، وإرادة صادقة للإصلاح الحقيقي، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح المؤقتة.
إصلاح اللجنة البارالمبية الليبية لم يعد خيارًا، بل أصبح واجبًا وطنيًا وإنسانيًا لا يحتمل التأجيل.
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية المشاركة الفاعلة والمسؤولة في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للجنة البارالمبية الليبية، المقرر عقده يوم 3 مايو 2025 بمدينة طرابلس.
إن هذا الاجتماع يمثل محطة مفصلية يتحتم فيها على المجتمعين تحمل مسؤولياتهم التاريخية، لضمان أن يكون الإصلاح حقيقيًا وعميقًا، يحفظ مستقبل هذه المؤسسة العريقة، ويرتقي برياضة الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا إلى المكانة التي يستحقونها.
إن اللجنة البارالمبية الليبية ليست مجرد هيئة إدارية، بل رمز لطموحات آلاف الرياضيين من ذوي الإعاقة. ومن واجب الجميع أن يعملوا بإخلاص من أجل وضع أسس قوية لعمل مؤسسي شفاف، ديمقراطي، وعدل يشمل الجميع.
عبدالسلام شليبك
شخص من ذوي الإعاقة، مدون ومهتم بقضايا رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة، يكتب من واقع تجربة ومعايشة يومية لتحدياتهم وطموحاتهم في ليبيا.