في وقتٍ كانت فيه البنية التحتية التقنية في ليبيا محدودة للغاية، وكانت الإنترنت تُعد ترفًا وليس أداة يومية، ظهرت مبادرات تقنية شجاعة سعت إلى وضع ليبيا على خارطة العالم الرقمي. أتذكر شخصيًا أول مرة دخلت فيها لعالم الإنترنت وكانت في نهاية سنة 1998، عندما كانت الإنترنت في ليبيا غير متاحة بسهولة، بل كانت أقرب للرفاهية. لحظة تشغيل الكمبيوتر وربطه بالإنترنت عبر خط الهاتف كانت لحظة مليئة بالدهشة والفضول، مع صوت الاتصال المتقطع والتحميل البطيء للصفحات، وكل شيء كان يبدو كأنه من المستقبل. هذه التجربة الشخصية شكلت شرارة الارتباط الحقيقي بالتقنية، ورسخت لدي قناعة بأن الإنترنت ستكون حجر الأساس في مستقبل ليبيا الرقمي. ومن خلال استماعي لبودكاست "درهم"، وتحديدًا في الحوار مع محمد عياد، الشريك المؤسس لشركة "ليبيان سبايدر"، رأيت كيف أن هذه الشركة انطلقت في بيئة مشابهة، مدفوعة بالشغف والرؤية، لتكون اليوم من الركائز التقنية المهمة في ليبيا.
البدايات: من تسجيل النطاقات إلى بناء البنية التحتية الرقمية
بدأت رحلة شركة "العنكبوت الليبي" (Libyan Spider) في عام 2002، حين كانت ليبيا تشهد دخول الإنترنت بشكل محدود. في تلك الفترة، لم يكن امتلاك موقع إلكتروني أولوية للشركات الليبية، لكن "العنكبوت" رأت فرصة في بناء بنية تحتية رقمية تواكب التطور العالمي. استمرت الشركة في تقديم خدمات تسجيل النطاقات (Domain Registration) واستضافة المواقع الإلكترونية، رغم التحديات التقنية والاقتصادية التي كانت تواجهها ليبيا حسب ما أتذكر، في عامي 2005 او2006، كانت شركة "العنكبوت الليبي" قد نفذت حملة ترويجية كبيرة، حيث قامت بتصميم واستضافة الموقع الإلكتروني الخاص بكأس العالم 2010 في ليبيا. كانت هذه الحملة جزءاً من جهود ليبيا لعرض استعداداتها لاحتضان بعض الفعاليات الرياضية الدولية الكبرى، بما في ذلك كأس العالم. على الرغم من أن ليبيا لم تنجح في استضافة البطولة في النهاية، إلا أن هذه الحملة كانت بمثابة نقطة تحول في تعزيز التواجد الرقمي المحلي، وساهمت في زيادة الوعي بأهمية الإنترنت في البلاد.
في عام 2007، كنت قد بدأت في التفاعل مع شركة "ليبيان سبايدر" بشكل مباشر عبر موقع نادي طرابلس لذوي الإعاقة (dtc.ly)، وهو تجربة تُعد من اللحظات المميزة في رحلتي مع التقنية. تلك اللحظة، التي كانت تمثل طابعًا أكثر نضجًا وانتشارًا للتقنية في ليبيا، جعلتني أدرك أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة تغيير حقيقية، حتى في المجالات المجتمعية.
التحديات والإنجازات
مرت الشركة بمنعطفات صعبة، أبرزها العقوبات الدولية والأزمات الاقتصادية والسياسية، لكن القدرة على التكيف والمرونة كانت دومًا سرّ نجاحها. تعتبر اليوم "العنكبوت الليبي" من الشركات الرائدة في السوق، حيث تسيطر على 90% من سوق تسجيل النطاقات الليبية و80% من خدمات الاستضافة المحلية.
التأثير التكنولوجي في ليبيا
وبالتزامن مع تطور "العنكبوت الليبي"، أرى اليوم أن هناك تحولًا حقيقيًا في مفهوم الإنترنت في ليبيا. أصبحت التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، سواء في التجارة الإلكترونية أو في تعزيز التواصل المجتمعي، وهو ما أكده محمد عياد في حديثه عبر بودكاست "درهم". يعتقد عياد أن الذكاء الاصطناعي سيكون محركًا رئيسيًا في هذا التحول، لكنه يحمل أيضًا تحديات تحتاج إلى حلول مبتكرة.
اليوم، أصبحت شركة "العنكبوت الليبي" نموذجًا يحتذى به في مجال التقنية في ليبيا، وكما يقول محمد عياد: "التكنولوجيا ليست رفاهية، بل ضرورة. من يتبناها اليوم سيصنع مستقبله غداً". وفي هذا السياق، أرى أن المستقبل الرقمي في ليبيا مشرق، وأن المزيد من الشركات ستتبع نفس المسار الذي بدأت فيه "العنكبوت الليبي" لتحدث فارقًا حقيقيًا في المجتمع.
شكرا لبودكاست درهم