من مناضلين ضد الفساد إلى مسؤولين في نظامه: حين يتحول النضال إلى تجارة سياسية



في عالم السياسة، ترفع شعارات النضال ومحاربة الفساد كرموز للعدالة والإصلاح، لكن سرعان ما تنهار هذه المبادئ عندما تتعارض مع المصالح الشخصية. في ليبيا، رأينا كيف تحوّل بعض من كانوا يرفعون راية المعارضة إلى مسؤولين في مناصب لا تمتّ لاختصاصهم بصلة، فقط لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم ضد السلطة التنفيذية.

المفارقة الأكبر أن كثيرًا من هؤلاء عاشوا في دول تحترم الديمقراطية وتكافح الوساطة، حيث تسود سيادة القانون، لكن بمجرد عودتهم إلى ليبيا، تنكّروا لهذه القيم وأصبحوا جزءًا من المنظومة التي كانوا يهاجمونها. هذا التناقض أشبه بـ"الشيزوفرينيا السياسية"، حيث يطالبون بالإصلاح ما داموا خارج السلطة، ولكن عند حصولهم على فرصة، يتحولون إلى أدوات جديدة في نفس النظام الذي انتقدوه.

عبرة من رومانيا: حين يتحول النضال إلى وسيلة للسلطة

إذا نظرنا إلى أمثلة من دول أخرى، نجد أن رومانيا شهدت حالة مشابهة. بعد سقوط النظام الشيوعي في 1989، برز العديد من "المناضلين" الذين عارضوا الديكتاتورية، لكن بعضهم لم يلبث أن استغل شعارات النضال للوصول إلى السلطة. المثال الأبرز هو "ليفيو دراغنيا"، أحد قادة الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي كان يتحدث باسم الشعب ويدعي محاربة الفساد، لكنه في النهاية أدين في قضايا فساد كبرى أثناء توليه منصبًا حكوميًا. دراغنيا، الذي قدم نفسه على أنه مدافع عن العدالة الاجتماعية، استغل نفوذه لتعديل القوانين لصالحه، ما أدى إلى احتجاجات شعبية واسعة أطاحت به.

هذه القصة تعكس كيف يمكن لشخص بدأ كمعارض للنظام أن يتحول إلى جزء منه، بل ويصبح أكثر فسادًا ممن سبقوه. وهذا ما نشهده في ليبيا، حيث أصبح بعض المعارضين السابقين، الذين عاشوا في دول تحترم سيادة القانون، جزءًا من منظومة الفساد بمجرد حصولهم على فرصة في السلطة.

هل مناضلو اليوم هم فاسدو الغد؟

لا يمكن للنضال أن يكون مجرد وسيلة للوصول إلى المناصب. فالشخص الذي يدّعي محاربة الفساد يجب أن يُثبت التزامه الحقيقي بهذه المبادئ، سواء كان في المعارضة أو في السلطة. إن ليبيا اليوم بحاجة إلى قادة حقيقيين، لا يرفعون شعارات جوفاء، بل يعملون بإخلاص لتحقيق العدالة والمساواة، بعيدًا عن المصالح الشخصية.


أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال