منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها مشاهدة مسلسل "مستقبل زاهر"، وجدت نفسي غارقًا في عالمه، حيث تمتزج الدراما الاجتماعية بالتشويق في سرد متقن يجسد الواقع الليبي بكل تعقيداته. هذا المسلسل، الذي أصبح حديث الشارع ، لم يكن مجرد عمل درامي عابر، بل تجربة متكاملة تجعلك تعيش تفاصيل الأحداث وكأنك أحد شخصياته. اليوم عُرضت الحلقة الأخيرة من المسلسل الذي تكون من 14 حلقة في النصف الأول من شهر رمضان، وتم بثه على قناة "سلام".
ويقول نزار الحراري عن العمل إنه مشروع كبير عملنا عليه لمدة ثلاثة أعوم، وعن هدف المسلسل قال الحراري «المسلسل يطرح سؤالا مهما ويسلط الضوء على التاريخ والمستقبل، نطرح أسئلة حادة وجريئة حول منظومة التعليم والعدالة، وما هو الإرث الذي سنتركه للأجيال القادمة».
سيناريو محبوك وأحداث تلامس الواقع
ما يميز "مستقبل زاهر" هو السيناريو الذكي الذي صاغه الكاتب نزار الحراري، حيث لم يكتفِ بتقديم قصة مشوقة، بل استطاع أن ينسج إسقاطات واقعية على الوضع الليبي دون أن يسقط في فخ المباشرة. هناك نقد واضح للفساد، لهيمنة المليشيات، وللصراع بين الأجيال، لكن دون أن يتم تسمية الأماكن أو الجهات بشكل صريح، مما يعكس ذكاء الكاتب في إيصال الرسالة دون إثارة الجدل المباشر.
أداء تمثيلي متفاوت ولكن مؤثر
رغم تفاوت الأداء التمثيلي بين بعض الشخصيات، إلا أن الأبطال الرئيسيين قدموا أدوارًا استثنائية، خاصة عبد السيد آدم وهدى عبد اللطيف، اللذان أظهرا قدرات عالية في تجسيد مشاعر الصراع الداخلي والانكسارات التي يعاني منها المواطن الليبي العادي. مشهد المجزرة التي ارتكبها "رجب بن رافع" كان من أقوى اللحظات الدرامية، حيث جسد الرعب والدموية بطريقة غير مسبوقة في الدراما الليبية.
موسيقى تصويرية تضيف بُعدًا آخر
الموسيقى التصويرية التي وضعها حمزة بوشناق كانت عنصرًا أساسيًا في تعميق الأجواء الدرامية، حيث استطاع أن يعكس بتوزيعاته الموسيقية التوتر والخوف في لحظات العنف، والحزن في مشاهد الفقدان، وحتى الأمل في بعض المشاهد القليلة التي تمنح المشاهد متنفسًا من وطأة الأحداث.
تصوير وإخراج يضعان معايير جديدة
اختيار مصراتة كموقع تصوير أضفى على المسلسل طابعًا واقعيًا، حيث استطاع المخرج أن يستغل البيئة المحيطة ليجعلها جزءًا من القصة وليس مجرد خلفية. التصوير كان احترافيًا بمعايير عالية، ليعطي للمشاهد تجربة بصرية تقترب من الإنتاجات العربية الكبرى.
مسلسل يطرح أسئلة صعبة
"مستقبل زاهر" ليس مجرد مسلسل، بل هو طرح جريء لسؤال مصيري: هل مستقبل ليبيا سيكون زاهرًا؟ المسلسل لم يقدم إجابة واضحة، لكنه قدم مرآة تعكس الواقع بكل تعقيداته، تاركًا المشاهد أمام تساؤلات كبرى حول التعليم، العدالة، والإرث الذي ستتركه الأجيال الحالية للقادمين.
نعم، نجح المسلسل في أن يكون أكثر من مجرد عمل درامي، بل شهادة حية على الواقع الليبي وتجربة فنية تستحق المشاهدة. شكرًا نزار على هذا المجهود، وأتمنى أن أرى عملًا سينمائيًا أكثر جرأة يعكس الواقع الليبي، فنحن بحاجة إلى سينما ليبية حقيقية.