شارك تسعة وعشرون شابًا وشابة من مختلف أنحاء ليبيا حضوريا وعبر الإنترنت في ورشة عمل مع خبراء اقتصاديين من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لمناقشة التحديات التي تواجه الاقتصاد الليبي وطرح أفكار لحلول مستقبلية. إلا أن ما يثير الاستغراب والقلق هو غياب تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا الحدث، وهو أمر يبرز إقصاءً ممنهجًا لهذه الفئة المهمة من المجتمع، ويتناقض بشكل صارخ مع الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
تواطؤ بعثة الأمم المتحدة في إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة
يتحمل منظمو هذه الفعالية، بمن فيهم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مسؤولية مباشرة عن هذا الإقصاء غير المبرر. فمن غير المقبول أن يتم تجاهل مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في مناقشة تحديات اقتصادية وسياسات تؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية. هذا التجاهل يعكس استمرار النظرة التمييزية التي تكرّس تهميش الأشخاص ذوي الإعاقة وتحرمهم من حقهم في المشاركة المجتمعية وصنع القرار.
تقصير بعثة الأمم المتحدة في ضمان شمولية النقاش
رغم أن الأمم المتحدة تؤكد دائمًا التزامها بمبادئ الشمولية وعدم التمييز، إلا أن إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة من هذه الورشة يضع تساؤلات حول مدى جدية التزام البعثة بتطبيق معايير حقوق الإنسان. كيف يمكن مناقشة التحديات الاقتصادية دون الاستماع إلى أحد أكثر الفئات تأثرًا بالوضع الاقتصادي في ليبيا؟ كيف يمكن للقرارات الناتجة عن هذه الورشة أن تعكس احتياجات المجتمع بأكمله إذا تم استبعاد جزء منه؟
التهميش المستمر
إن غياب تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة في هذه الورشة هو استمرار لسلسلة من الممارسات التمييزية التي تواجهها هذه الفئة في ليبيا. إذا كان الهدف من هذا الاجتماع هو بناء اقتصاد أكثر استقرارًا وشمولية، فإن إقصاء فئة كبيرة من المواطنين، الذين يعانون من تهميش مضاعف في سوق العمل وفي الحصول على الحقوق الاقتصادية، يفرغ هذه النقاشات من جوهرها ويؤدي إلى سياسات غير مكتملة وغير واقعية.
الاتفاقية الدولية والواقع المتناقض
تنص الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على ضرورة ضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في عمليات صنع القرار التي تؤثر على حياتهم. كما تؤكد المادة 29 من الاتفاقية على حقهم في المشاركة في الحياة السياسية والعامة دون تمييز. وبما أن ليبيا قد صادقت على هذه الاتفاقية، فمن المخجل أن نرى استمرار تهميش هذه الفئة وعدم دعوتها للمشاركة في ورش عمل من شأنها رسم مستقبل البلاد الاقتصادي.
ضرورة المحاسبة واتخاذ خطوات جادة
لا يكفي الاعتراف بالتحديات الاقتصادية التي تواجه ليبيا، بل يجب أن تكون هناك خطط شاملة تستند إلى مبادئ العدالة والشمولية. إن الحلول الحقيقية لا يمكن أن تُصاغ في ظل غياب الأطراف المعنية بها. ولذلك، يجب على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والجهات المنظمة لهذه الفعاليات اتخاذ الإجراءات التالية:
الاعتراف بالتقصير والالتزام بالتصحيح: ينبغي أن تصدر البعثة توضيحًا رسميًا حول أسباب غياب الأشخاص ذوي الإعاقة عن هذه الورشة، مع التزام واضح بمراعاة شمولية الفعاليات المستقبلية.
إدراج ممثلين عن الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع الاجتماعات ذات الصلة: يجب أن يكون هناك تمثيل حقيقي يعكس تنوع المجتمع الليبي ويضمن سماع أصوات المهمشين.
توفير تسهيلات تُمكن الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة الكاملة: مثل الترجمة الفورية بلغة الإشارة، توفير وثائق ورقية ونسخ رقمية بتنسيقات ميسرة، وضمان وصولهم المادي إلى أماكن عقد الفعاليات.
إشراك المجتمع المدني المعني بالأشخاص ذوي الإعاقة: لا يمكن وضع سياسات اقتصادية تعالج المشكلات الهيكلية دون استشارة ودعم منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة والخبراء في هذا المجال.
إن تكرار تغييب الأشخاص ذوي الإعاقة عن المشهد الوطني لا يعكس فقط تهميشًا مؤسفًا، بل يُلحق الضرر بجهود بناء مستقبل شامل ومستدام لليبيا. إذا أرادت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمشاركون في هذه الورشة أن تكون مقترحاتهم واقعية وقابلة للتطبيق، فعليهم البدء بإشراك جميع فئات المجتمع، وضمان تمثيل عادل للأشخاص ذوي الإعاقة في كافة النقاشات التي ترسم مستقبل ليبيا الاقتصادي.