وفقًا لصحيفة الغارديان، يواجه نظام الضمان الاجتماعي في بريطانيا انتقادات حادة بسبب خطط الحكومة لخفض المساعدات المالية المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة. وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، وصف النظام الحالي بأنه "الأسوأ من جميع الجوانب"، مؤكدًا على ضرورة اتخاذ "قرارات صعبة" لتقليل النفقات المتزايدة على الإعانات الصحية وإعانات الإعاقة.
تخفيضات بمليارات الجنيهات وتأثيرها على الفئات الأكثر ضعفًا
أعلنت الحكومة عن نيتها خفض ما لا يقل عن 3 مليارات جنيه إسترليني من ميزانية الإعانات على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مع توقعات بزيادة حجم التخفيضات في المستقبل، خصوصًا فيما يتعلق بإعانة الاستقلال الشخصي (PIP)، وهي إحدى أبرز الإعانات الموجهة للأشخاص ذوي الإعاقة.
من المنتظر أن تنشر وزارة العمل والمعاشات (DWP) ورقة استشارية خلال الأيام القادمة حول إصلاح نظام الإعانات الصحية والإعاقة، تمهيدًا لإعلان الموازنة الجديدة نهاية الشهر الجاري. هذه الإجراءات تأتي في ظل تصاعد القلق داخل حزب العمال الحاكم بشأن التأثير السلبي لهذه التغييرات على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.
استياء داخل الحزب ومعارضة من المنظمات الحقوقية
في اجتماع خاص مع نواب حزب العمال، أقر ستارمر بأن النظام الحالي "يثبط عزيمة الناس عن العمل"، مستشهدًا بارتفاع معدلات البطالة بين الشباب الذين لا يعملون ولا يتلقون تعليمًا أو تدريبًا. ومع ذلك، قوبلت تصريحاته بانتقادات من بعض النواب، الذين أشاروا إلى أن هذه الإصلاحات قد تلحق ضررًا بالغًا بالأشخاص ذوي الإعاقة
أحد النواب أثار قضية ابنته ذات الإعاقة الشديدة، وطالب بتوضيحات حول تأثير التخفيضات على أسرته. إلا أن رئيس الوزراء تجنب الإجابة المباشرة، ما أثار استياءً واضحًا داخل الاجتماع.
في السياق ذاته، وجهت مجموعة من أبرز الجمعيات الخيرية والحقوقية رسالة إلى وزيرة المالية، راشيل ريفز، تدعوها إلى إعادة النظر في هذه التخفيضات. وأكدت الرسالة أن خفض الإعانات سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"، حيث أظهرت بيانات منظمة Scope أن 700,000 أسرة إضافية قد تنحدر إلى الفقر إذا تم إلغاء أو تقليص إعانة PIP.
إعانات الإعاقة ليست مرتبطة بالاختبارات المالية ولا بحالة العمل. هي مخصصة لمساعدة المستفيد في تغطية التكاليف اليومية الإضافية المرتبطة بالإعاقة. وتتراوح قيمة إعانة "PIP" بين حوالي 1,500 جنيه إسترليني و9,600 جنيه إسترليني سنويًا، حسب مستوى الإعاقة الذي يتم تقييمه.
تكلفة الحياة لذوي الإعاقة بين الواقع والتجاهل الحكومي
تؤكد منظمات حقوقية أن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون تكاليف معيشية أعلى من غيرهم، ما يجعل أي تخفيض في الإعانات تهديدًا مباشرًا لحقوقهم الأساسية. كما أشارت مؤسسة جوزيف راونتري (JRF) إلى أن 900,000 طفل يعيشون في أسر تتلقى إعانات العجز، ما يعني أن هذه التخفيضات ستفاقم أزمة الفقر في البلاد.
على الجانب الآخر، تبرر الحكومة هذه الإجراءات بضرورة إصلاح نظام الإعانات لجعله أكثر استدامة، مدعية أن التصميم الحالي لهذه الإعانات قد يحدّ من قدرة المستفيدين على دخول سوق العمل. غير أن منتقدي هذه السياسات يؤكدون عدم وجود أدلة تثبت أن خفض الإعانات يؤدي إلى تحسين فرص العمل.
فقد بلغ عدد غير النشطين اقتصاديًا في المملكة المتحدة بحلول يناير 9.3 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عامًا، بزيادة 713,000 شخص منذ الجائحة، بينما تشير وزارة العمل والمعاشات إلى أن 2.8 مليون منهم يعانون من أمراض مزمنة. وفي ظل إنفاق الحكومة 65 مليار جنيه إسترليني على إعانات المرض العام الماضي، يُتوقع أن يرتفع هذا الرقم بمليارات الجنيهات قبل الانتخابات المقبلة. وقد شملت الإصلاحات المعلنة في نظام الرفاهية تخصيص 1,000 مدرب عمل لمساعدة العاطلين لفترات طويلة في العثور على وظائف. من جهته، اعتبر وزير الأعمال في حزب المحافظين الظل، أندرو غريفيث، أن اعتماد ملايين الأشخاص في سن العمل على الإعانات يمثل "وصمة على سمعة البلاد" ويعيق النمو الاقتصادي. في المقابل، شدد المتحدث باسم العمل والمعاشات في الحزب الليبرالي الديمقراطي، ستيف دارلينغ، على أن "خفض الدعم دون إصلاح شامل للخدمات العامة ليس الحل"، داعيًا إلى استثمار طويل الأجل في قطاعي الصحة والرعاية الاجتماعية بدلاً من اللجوء إلى تخفيضات قد تؤثر على الفئات الأكثر ضعفًا.
بين الحقوق والسياسات الاقتصادية
تسلط هذه الخطط الضوء على صراع مستمر بين أولويات الحكومة الاقتصادية وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ففي حين تدافع الحكومة عن الإصلاحات باعتبارها ضرورية للحد من الإنفاق العام، يرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن هذه الخطوات تهدد الأساس الذي يقوم عليه نظام الرعاية الاجتماعية.
البعد السياسي والاستراتيجي للقرارات الحكومية
في سياق متصل، أعلن كير ستارمر يوم الاثنين أمام النواب أن الوقت قد حان لزيادة الإنفاق الدفاعي، وذلك بعد ساعات من محادثته مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حيث يستعد القادة للاجتماع في السعودية لمناقشة اتفاق وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
وأشار ستارمر إلى أن الاضطراب الدولي قد يشكل فرصة لإعادة تشكيل الاقتصاد البريطاني، قائلاً: "العالم الحقيقي يتحرك بسرعة، والناس يتطلعون إلى حكومتهم ليس فقط للتكيف مع هذا التغيير، بل لاستغلاله وتوجيهه لصالح الشعب البريطاني."
وأضاف: "يجب أن تأتي دفاعاتنا وأمن شعبنا البريطاني في المقام الأول. الزيادة في الإنفاق الدفاعي التي أعلنت عنها الأسبوع الماضي ستعيد بناء الصناعة في جميع أنحاء البلاد، وستدعم الشركات، وستوفر وظائف آمنة ومهارات للأجيال القادمة. هذا ما ندين به للشعب البريطاني."
يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن تحقيق إصلاح عادل يراعي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة دون أن يعرضهم لخطر الفقر والتهميش؟ في ظل هذه التغييرات المتسارعة، ستظل أعين المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية تراقب عن كثب تداعيات هذه القرارات ومدى تأثيرها على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع البريطاني.