قبل عام 2011، كان الإعلام في ليبيا يتسم بكثير من البذخ في احتفالاته والمشاريع الضخمة التي كان يخطط لها، لا سيما في فترة النظام السابق. كانت الطموحات تذهب إلى أبعد الحدود، حيث كان من المخطط أن يستضيف البرنامج الشهير The Oprah Winfrey Show
في موسمه، حلقة خاصة من داخل طرابلس، مع أوبرا وينفري. كان من المتوقع أن تكون هذه الخطوة إحدى أبرز العلامات الفارقة في الدعاية الإعلامية لهذا النظام، إذ كان ذلك يعكس مدى قدرته على جذب اهتمام العالم.
لم يكن هذا المشروع مجرد فكرة عابرة، بل تم اتخاذ خطوات فعلية لتحقيقه. في شهر يوليو تقريبًا من عام 2010، عُقد اجتماع حول هذا الموضوع في قرية جنزور السياحية مع المخرج المكلف بتنفيذ الفكرة. كما جرى اجتماع آخر مع شخصية مهمة في قرية المغرب العربي، والتي تُعرف أيضًا بـ"ريغاتا." كانت التحضيرات جادة وشملت تخطيطًا دقيقًا وتصميمًا لموقع إلكتروني خاص بهذا الحدث. كنت جزءًا من الفريق الذي أشرف على تصميم الموقع الإلكتروني، ما أتاح لي رؤية مباشرة لحجم الطموح والإمكانات الإعلامية التي كان يتمتع بها النظام السابق.
لكن، رغم أن المفاوضات كانت متقدمة، وكانت الرسالة قد وصلت إلى أوبرا وينفري التي بدت شبه موافقة على الفكرة، إلا أن هذا المشروع لم يتحقق. أعتقد أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو قيام ثورة 17 فبراير 2011، التي قلبت الموازين في ليبيا وغيرت المشهد السياسي والإعلامي بالكامل.
لم تتوقف قوة الإعلام الجماهيري عند حدود ليبيا، بل كانت له تأثيرات دولية واضحة. فقد كان متغلغلًا بذكاء في وسائل الإعلام الإيطالية. لا زلت أتذكر تلك الإعلانات التجارية التي كانت تُعرض على جميع المحطات الإيطالية للترويج لمشروع النهر الصناعي العظيم. كان هذا المشروع يُصور على أنه إنجاز هندسي غير مسبوق، ونجحت هذه الإعلانات في خلق صورة ذهنية إيجابية عنه لدى المشاهدين الأوروبيين. هذه الحملات الإعلامية لم تكن عشوائية، بل كانت جزءًا من استراتيجية إعلامية ذكية لتعزيز نفوذ النظام السابق على الساحة الدولية.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد، نسأل: هل يمكن للإعلام الليبي تحت إشراف إعلام فبراير أن يحقق شيئًا مماثلًا؟ بالطبع، أوبرا وينفري ليست الخيار الوحيد. لكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل يستطيع إعلام فبراير أن يستخدم الأدوات نفسها التي كانت موجودة في النظام السابق لتحقيق تأثير مشابه؟ هل يمكن للطاقات الجديدة مثل وليد لافي، إذا كان في منصب مشابه، أن يقدم مشاريع دعائية ضخمة واحتفالات إعلامية تسحب الأضواء الدولية؟
المعادلة اليوم تبدو مختلفة، خصوصًا في ظل التحولات السياسية والتقنية والإعلامية التي شهدتها البلاد. في حين أن النظام السابق كان يتقن استخدام البروموغندا والإعلام الموجه بشكل استراتيجي، قد يكون الإعلام اليوم بحاجة إلى الابتكار، والمصداقية، والانفتاح على الأفكار الجديدة، بدلاً من الاعتماد على الأساليب التي كانت تقتصر على الإبهار وفرض الصورة الوحيدة.
لكن الأهم من ذلك، يجب أن ندرك أن الإعلام ليس مجرد وسيلة لحرق المال العام. في النهاية، هذه الأموال تأتي من خزينة الشعب الليبي. لذا، من الضروري أن يُستخدم الإعلام بطريقة مسؤولة وهادفة تخدم مصلحة المجتمع وتساهم في رفع مستوى الوعي وتثقيف الأجيال القادمة.
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للإعلام الحالي، مع القيادات الجديدة، أن يتبنى هذه المفاهيم ويحقق نتائج مماثلة؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة، ولكن ما يمكن التأكد منه هو أن الإعلام في ليبيا في المستقبل سيحتاج إلى شجاعة أكبر من مجرد الترفيه أو البذخ.