حقوق ذوي الإعاقة: نحو مساواة شاملة




في الذكرى الرابعة عشرة لثورة السابع عشر من فبراير، يستعرض مقال "جمعية أبطال ليبيا الفاقدي الأطراف: قصة كفاح في خدمة الوطن" مسيرة الجمعية في دعم ذوي الإعاقة الذين فقدوا أطرافهم نتيجة الحروب. ورغم أن المقال يعكس التضحيات الكبيرة التي قدمها هؤلاء الأبطال في سبيل الوطن، إلا أنه يثير تساؤلات بشأن التمييز غير المقصود بين فئات الأشخاص ذوي الإعاقة ويُظهر تباينًا في التعامل مع مختلف شرائح المجتمع. التقت صحيفة"الناس" بنائب رئيس جمعية أبطال ليبيا لفاقدي الأطراف وأحد مؤسسيها، محمد ساطي، ليحدثنا عن مسيرة الجمعية ودورها في دعم الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم نتيجة الحروب.


تمييز بين فئات ذوي الإعاقة

من خلال التركيز على الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم نتيجة الحرب، قد يُفهم من المقال أن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن تقتصر فقط على فئة معينة، مما يتناقض مع المبادئ الأساسية التي نصت عليها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD). تنص الاتفاقية على أن جميع الأشخاص ذوي الإعاقة، بغض النظر عن سبب إعاقتهم، يستحقون حقوقًا متساوية في الحياة الكريمة، بما في ذلك الحق في الرعاية الصحية، التعليم، العمل، والمشاركة في الحياة العامة.

إلا أن المقال يبرز إنجازات الجمعية التي تركز على تلك الفئة المحددة من ذوي الإعاقة (المصابين في الحرب)، مما يؤدي إلى تفريق غير مبرر بين الأشخاص ذوي الإعاقة على أساس نوع الإعاقة، وهو ما قد يعزز من المفهوم القائل بأن بعض الإعاقات تستحق الدعم والاهتمام أكثر من غيرها. إن تأكيد جمعية أبطال ليبيا الفاقدي الأطراف على حقوق هذه الفئة يعد خطوة إيجابية، لكنه يقتصر على جزء من حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام. إن الحقوق التي تُمنح للمصابين في الحرب يجب أن تمتد لتشمل جميع فئات الأشخاص ذوي الإعاقة، وفقًا للمبادئ التي تضمنها الاتفاقية الدولية.

حقوق الإنسان لا تُمنح بل تُحترم

إن الاهتمام الذي توليه جمعية أبطال ليبيا الفاقدي الأطراف لهذه الفئة هو أمر يستحق الإشادة، لكن التركيز على المنح الشهرية وأداء الحج كإنجازات قد يخلق صورة تنم عن أن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هي مجرد "مساعدات" أو "مكافآت" تُمنح لهم من باب المِنّة، بدلاً من كونها حقوقًا ثابتة يجب على الدولة تأمينها في إطار قانوني واجتماعي. الحقوق الإنسانية للأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن تكون محمية ومضمونة قانونيًا من خلال تشريعات صارمة، وليست مجرد مساعدات تعتمد على منظمات أو جمعيات.

إن التركيز على هذه المنافع قد يشجع المجتمع على رؤية الأشخاص ذوي الإعاقة كمجموعة تحتاج إلى "معونة" بدلاً من النظر إليهم كمواطنين يتمتعون بكافة الحقوق التي تضمنها الدساتير والقوانين الدولية. يجب أن يكون الاهتمام منصبًا على توفير بيئة شاملة ومتساوية تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة ممارسة حياتهم اليومية بحرية، من خلال تيسير الوصول إلى التعليم والعمل، وتوفير فرص تنموية حقيقية.

التحديات والتعاون بين المؤسسات

اللقاء يسلط الضوء أيضًا على التحديات التي تواجه الجمعية، مثل تعدد الجمعيات والمؤسسات المعنية بذوي الإعاقة. إلا أن هذه النقطة قد تثير بعض القلق في حال تفسيرها على أنها دعوة لتوحيد المؤسسات تحت لواء واحد فقط. من المهم أن نفهم أن تعدد المؤسسات يمكن أن يكون خطوة إيجابية إذا كان يساهم في تقديم خدمات متنوعة ومتكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة. بدلاً من التركيز على التنافس بين الجمعيات، يجب أن يكون هناك تعاون بين هذه المؤسسات لتحقيق أهداف مشتركة تتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف المجالات.

العدالة والمساواة لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة

كشخص من ذوي الإعاقة، وعشت مع شلل الأطفال منذ صغري، أقول إن حقوقنا كأشخاص ذوي إعاقة بشكل عام ما زالت بعيدة عن التحقيق الكامل. على الرغم من الجهود التي تبذلها جمعيات مثل جمعية أبطال ليبيا الفاقدي الأطراف، والتي أكن لها كل الاحترام والتقدير، إلا أن الواقع ما زال يشير إلى أن التحديات التي نواجهها كبيرة. ما زالت هناك فجوات كبيرة في تمكيننا من ممارسة حياتنا اليومية بحرية وكرامة.

أعتقد أنه حان الوقت لوضع كافة الأشخاص ذوي الإعاقة في نفس السلة من الحقوق والفرص، بعيدًا عن أي تمييز بناءً على نوع الإعاقة أو السبب الذي أدى إليها. نحن بحاجة إلى بيئة شاملة تحترم حقوقنا وتوفر لنا فرصًا حقيقية للاندماج والمشاركة الفاعلة في المجتمع.

المسؤولية تقع على الجميع

المسؤولية تقع على الجميع، من الدولة إلى المجتمع المدني، لتغيير هذا الواقع وجعل الحقوق الإنسانية للأشخاص ذوي الإعاقة حقيقة واقعة.

في النهاية، على جمعية أبطال ليبيا الفاقدي الأطراف وكل المؤسسات الأخرى العاملة في مجال دعم ذوي الإعاقة، أن تعي أن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن تُحترم في إطار شامل يضمن المساواة بين جميع فئاتهم. ينبغي أن يتم التأكيد على أن هذه الحقوق هي حقوق دستورية وقانونية، وليست مجرد تفضل من الدولة أو منظمات المجتمع المدني. يجب أن تُوفر الفرص المتساوية لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتُتاح لهم الفرصة للمشاركة الفاعلة في المجتمع دون تمييز أو استثناء.

إن الاستمرار في تعزيز المساواة والعدالة لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة، سواء كانوا مصابين في الحروب أو من غيرهم، هو الطريق الحقيقي لتحقيق مجتمع أكثر شمولًا وعدالة.


أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال