المتاحف الشاملة: خطوة نحو تجربة ثقافية متاحة للجميع

 


في الجناح المصري بمتحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك تُتاح الفرصة للمس القطع الأثرية التاريخية، مما يتيح تجربة حسية نادرة. منح أحد الحراس الإذن بذلك، بينما لاحظ الزوار الآخرون المشهد بمزيج من الفضول والإعجاب. تقدم العديد من المتاحف الآن جولات "لمسية" للزوار المكفوفين، تشمل نماذج ثلاثية الأبعاد أو صورًا ملموسة لبعض القطع الفنية، إلا أن هذه الجولات تظل محدودة في عدد القطع التي يمكن الوصول إليها وتُقام في مناسبات نادرة. بالنسبة لمعظم المؤسسات الثقافية، لا تزال إمكانية الوصول تأتي كفكرة لاحقة وليست أولوية.الدكتورة م. ليونا جودين





لكن هذا الواقع بدأ يتغير مع إطلاق مشروع "تجربة النقطة" (Dot Experience)، وهو المتحف المُعاد تصميمه بالكامل والموسع لمطبعة الأمريكيين المكفوفين (APH) في لويفيل، كنتاكي، والذي يطمح ليكون المتحف الأكثر شمولاً في العالم. من المقرر افتتاحه في عام 2026، وسيقدم تجربة غير مسبوقة في مجال المتاحف، حيث يجمع بين الترفيه والجولات التفاعلية والرؤية العميقة للحياة اليومية للأشخاص المكفوفين، سواء في الماضي أو الحاضر. يهدف هذا المشروع إلى تغيير التصورات النمطية عن الإعاقة البصرية، وتقديم تجربة تعلمية غامرة تعزز من فهم الجمهور لحياة الأشخاص المكفوفين وتاريخهم الطويل في النضال والابتكار.

تجربة النقطة: نموذج للمتاحف الشاملة

جاء اسم "تجربة النقطة" تكريمًا لنظام القراءة والكتابة الملموس الذي ابتكره لويس برايل، وهو نظام أحدث ثورة في حياة الأشخاص المكفوفين. ويعد المتحف امتدادًا لرسالة APH، التي كانت رائدة في إنتاج الكتب والأدوات الميسرة منذ عام 1858. سيمزج المتحف بين التاريخ والتكنولوجيا الحديثة، حيث سيسلط الضوء على تجارب المكفوفين في مجالات مختلفة مثل التعليم، والفن، والدفاع عن الحقوق، والابتكار. ومن بين المعروضات الفريدة التي سيحتويها المتحف نسخة نادرة جدًا من كتاب برايل الذي قدم فيه نظامه القرائي عام 1829، وبيانو عزف عليه ستيفي وندر في مدرسة ميشيغان للمكفوفين، بالإضافة إلى مكتب هيلين كيلر وإنجيلها الشخصي.


نحو مستقبل متاحف أكثر شمولًا

يمثل "تجربة النقطة" نموذجًا لمستقبل المتاحف، حيث لا يقتصر دوره على عرض التاريخ فقط، بل يعمل على إتاحة الفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة لاستكشاف الماضي والحاضر بطرق غير مسبوقة. إنه خطوة مهمة نحو جعل الثقافة والفن في متناول الجميع، وإعادة تعريف مفهوم الوصول الشامل في المؤسسات الثقافية. بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، فإن هذا المتحف ليس مجرد مساحة عرض، بل هو تأكيد على الحق في التفاعل مع التراث الإنساني دون حواجز أو قيود.

يعد "تجربة النقطة" مثالًا على كيفية إعادة تصميم المتاحف بحيث تصبح أكثر شمولًا واندماجًا مع مختلف الفئات المجتمعية، مما يعزز من تجربة الجميع، بغض النظر عن قدراتهم الحسية أو الحركية.


الحاجة إلى متاحف ميسرة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط

بينما تتقدم دول مثل الولايات المتحدة في تطوير متاحف شاملة تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة تجربة تفاعلية كاملة، لا تزال منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بحاجة إلى خطوات جادة في هذا الاتجاه. تعد إمكانية الوصول إلى المتاحف في هذه المنطقة محدودة للغاية، مما يحرم العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة من حقهم في استكشاف التراث الثقافي والتاريخي لبلدانهم. في ليبيا، على سبيل المثال، تفتقر المتاحف إلى التسهيلات الأساسية مثل المسارات الميسرة، والنماذج اللمسية، والمواد التفسيرية بطريقة برايل أو الصوتيات التوضيحية، مما يجعل التجربة الثقافية غير متاحة لشريحة واسعة من المجتمع. إن تبني نهج مماثل لما يقدمه "تجربة النقطة" يمكن أن يكون نقطة تحول في تعزيز الشمولية الثقافية، وضمان أن يكون التراث والتاريخ متاحًا للجميع دون استثناء.


أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال