الفن السينمائي الليبي في الثمانينيات: فيلم الشظية وجائزة بيونغ يانغ المنسية
شهدت ليبيا في عقد الثمانينيات، وسط العزلة السياسية والثقافية التي فرضتها الظروف الدولية، محاولات سينمائية محدودة سعت إلى تسليط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية، لكنها بقيت مجهولة بسبب غياب الأرشيف وضعف الترويج الدولي. من بين هذه الأعمال يبرز فيلم "الشظية"، الذي أُنتج عام 1986، ليحكي قصة حب تراجيدية في الصحراء الليبية حيث تتحطم أحلام شاب وفتاة بسبب انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب العالمية الثانية. الفيلم الذي جمع بين الدراما الرومانسية والنقد العميق للاستعمار سلط الضوء على الكارثة الإنسانية التي خلّفتها الألغام في مناطق مثل طبرق والعلمين، حيث تركت القوات الإيطالية والألمانية وراءها إرثًا قاتلًا من المتفجرات.
يدور الفيلم حول لقاء غير متوقع بين سالم (علي العريبي)، وهو حطّاب بسيط، والبهلول (الطاهر القبائلي)، قاطع طريق متمرّس. في لحظة إنسانية، ينقذ سالم البهلول من الموت عطشًا، لكن الأخير، مدفوعًا بواقعه القاسي، يستولي على ناقة سالم تحت تهديد السلاح، قبل أن يعيدها إليه بعد تردد. معًا، يواصلان رحلتهما حتى يصلا إلى منطقة مليئة بالألغام، حيث تنكشف أسرارهما. فقد سالم زوجته سالمة (كاريمان جبر) في حادث انفجار لغم، بينما وجد البهلول نفسه مطاردًا بعد قتله زوج ابنة عمه ريم (نجاح عبد العزيز)، التي كان يحلم بالارتباط بها. مع توالي الأحداث، يدرك كلاهما أن مصيرهما محكوم بظلال ماضٍ مأساوي، يعكس تأثير الحروب على حيوات الأفراد.
نال الفيلم جائزة ذهبية في مهرجان بيونغ يانغ السينمائي الأول "PFFNODC" لدول عدم الانحياز والبلدان النامية عام 1987. المهرجان الذي أُطلق كمنصة لدول العالم الثالث، كان يعكس روح التضامن بين الدول التي واجهت الاستعمار أو الهيمنة الغربية. عُرض الفيلم الليبي إلى جانب أعمال من إيران والعراق، جميعها ركزت على موضوعات النضال الثوري والقمع الاستعماري، مما جعل من "الشظية" جزءًا من هذا الخطاب العالمي المشترك.
The gold medal at the first festival went to The Shrapnel, a Libyan love story in which boy meets girl, girl is killed by imperialist land mines, boy rushes to girl’s aid, boy also dies in the explosion.gluckman.com
رغم أهمية الحدث، ظل الفيلم طي النسيان لعدة أسباب، أبرزها انعقاد المهرجان في كوريا الشمالية، التي كانت آنذاك ولا تزال دولة مغلقة أمام الإعلام العالمي، مما حال دون وصول أخبار الفيلم إلى الجمهور العربي والدولي. إضافة إلى ذلك، لم تُولِ الحكومة الليبية اهتمامًا كافيًا بالترويج له. زاد من تعقيد الأمر غياب الأرشيف السينمائي الليبي، حيث لم تُحفظ نسخ عالية الجودة من الفيلم، واقتصر وجوده على نسخة متداولة عبر يوتيوب، دون أي توثيق في مصادر موثوقة.
إعادة اكتشاف فيلم "الشظية" اليوم يمثل خطوة مهمة لفهم تاريخ السينما الليبية ودورها في توثيق الذاكرة الجماعية. الفيلم ليس مجرد عمل فني، بل هو شهادة على مأساة الحرب العالمية الثانية التي لا تزال آثارها ملموسة في ليبيا. كما يعكس الجهود الفنية المتواضعة التي حاولت التعبير عن قضايا محلية بروح عالمية. البحث عن نسخ من الفيلم أو تفاصيل إضافية حول إنتاجه قد يفتح الباب أمام استعادة جزء مهم من الهوية الثقافية الليبية التي ظلت مدفونة تحت ركام الأحداث السياسية.
يبقى فيلم "الشظية" مثالًا لإمكانات السينما الليبية التي لم تكتمل، ورمزًا لحقبة مليئة بالتحديات الثقافية والسياسية. إعادة اكتشاف هذا الفيلم المنسي قد تكون خطوة مهمة لفهم تاريخ السينما الليبية واستعادة جزء من هويتها الثقافية المفقودة.
الطاقم الفني للفيلم:
المخرج: محمد علي الفرجاني
الكاتب: إبراهيم الكوني (قصة)، عبد السلام المدني، محمد علي الفرجاني
البطولة:
- كريمان جبر
- الطاهر القبائلي
- علي الورشفاني
- علي العريبي
- أنور الطرابلسي
- رمضان نصير
- أحمد باكير
- نجاح عبد العزيز
- عبد السلام الورفلي
- صالح أبو غزيل
- عبد السلام الجحاوي