المجلس الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة: بين التمثيل الشكلي والتأثير الفعلي

 


رغم أن المجلس الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا يرأسه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ويضم مستشارين من ذوي الإعاقة، إلا أن التساؤلات حول جدية هذا المجلس في تحقيق حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تظل قائمة. هل وجوده يعكس التزامًا حقيقيًا بتحسين أوضاع هذه الفئة، أم أنه مجرد كيان شكلي يخلو من تأثير ملموس؟

قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (566) لسنة 2009 بشأن إعادة تشكيل المجلس الوطني لرعاية حقوق ذوي الإعاقة نص على تشكيل المجلس برئاسة أمين اللجنة الشعبية العامة وعضوية أمناء لجان أخرى مثل الشؤون الاجتماعية والتعليم والصحة والمواصلات. 


غياب النتائج الملموسة

من خلال متابعة القضايا اليومية التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا، يتضح غياب واضح لأي أثر ملموس لدور المجلس في تحسين الأوضاع. على سبيل المثال، لا تزال إمكانية الوصول  وهي حق أساسي كفلته الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادقت عليها ليبيا  غائبة عن معظم البنية التحتية والمرافق العامة. هذا الغياب لا يقتصر فقط على المرافق الحكومية بل يمتد إلى مشاريع تم الإعلان عنها مؤخرًا، مثل صيانة وتطوير بيت شباب الجميل الذي تم تجاهل معايير الوصول الشامل فيه.

إمكانية الوصول: أولوية مغيبة

في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الشباب عن انتهاء أعمال صيانة بيت شباب الجميل، برزت تساؤلات جديدة حول غياب رؤية حكومية شاملة لتلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان حقهم في إمكانية الوصول. أعمال الصيانة التي أعلنت عنها الوزارة لم تتضمن تجهيز المرافق لاستيعاب الأشخاص ذوي الإعاقة، مثل ممرات تسهل حركة الكراسي المتحركة، أو غرف مهيأة، أو حتى دورات مياه مخصصة. هذا الإغفال يعكس عدم وجود استراتيجية حكومية واضحة لضمان شمولية الخدمات العامة للجميع، ويعزز التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال حرمانهم من المشاركة الفاعلة في الأنشطة الشبابية والثقافية. 

"سيد أحمد شليببك، أحد الناشطين في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، نشر على صفحته:
'الواضح من الصور أنه لا يوجد اهتمام بإمكانية الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة!؟
هل شريحة ذوي الإعاقة غير محسوبة ضمن فئة الشباب؟
أم في اعتقادكم أن الأشخاص ذوي الإعاقة غير محسوبين ضمن البشر؟'"

 

مجلس أم مظلة شكلية؟

يتساءل الكثيرون عما إذا كان المجلس الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة مجرد مظلة شكلية تهدف إلى تحسين الصورة الحكومية أمام المجتمع الدولي، في ظل غياب خطة استراتيجية واضحة لتحسين أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة. وجود مستشارين من ذوي الإعاقة داخل المجلس ينبغي أن يضفي مصداقية وقوة لدوره، لكنه لم يُترجم إلى سياسات أو مبادرات فعالة تعالج التحديات اليومية التي تواجه هذه الفئة. ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هو غياب الشفافية في عرض إنجازات المجلس أو المشاريع التي تم تنفيذها، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى التزام الحكومة بتعهداتها.

نتائج هذا التهميش

إن غياب إمكانية الوصول والخدمات الملائمة يحرم الأشخاص ذوي الإعاقة من حقهم في المشاركة الفاعلة في المجتمع، ويؤدي إلى تعميق العزلة الاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها. إضافة إلى ذلك، فإن هذا التجاهل يرسخ غياب العدالة والمساواة، ويضع ليبيا في موقف متأخر مقارنة بالدول الأخرى التي تسعى لتحقيق الإدماج الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة.

اجتماع المجلس الوطني: خطوة أولى دون تأثير ملموس

عقد المجلس الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة اجتماعه الأول بالتزامن مع اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة في 3 ديسمبر 2022. الاجتماع الذي ترأسه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بحضور وزيرة الشؤون الاجتماعية وأعضاء المجلس، ركز على عرض ما قدمته الوزارة من مشروعات وخطط للأشخاص ذوي الإعاقة خلال العام 2022. ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها لم تحمل أي وعود أو سياسات ملموسة لتحسين الأوضاع. اقتراح تخصيص يوم 6 يونيو من كل عام يومًا وطنيًا للأشخاص ذوي الإعاقة يُعتبر جهدًا رمزيًا، لكنه يفتقر إلى آليات عملية لدعم هذه الفئة.

المطالبة بالتغيير

إن استمرار الحكومة في إغفال أهمية إمكانية الوصول يُعد انتهاكًا واضحًا لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. يتطلب الوضع الحالي خطوات عاجلة من قبل الحكومة الليبية لتطوير سياسات شاملة ومتكاملة تضمن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في كافة المجالات. من الضروري أن يتحمل المجلس الوطني مسؤولياته بشكل جدي، من خلال وضع خطة استراتيجية واضحة وملزمة، تشمل تطوير البنية التحتية، توفير فرص التعليم والتوظيف، وضمان الخدمات الصحية والاجتماعية المناسبة.

وجود المجلس الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة في صورته الحالية يطرح تساؤلات جدية حول جديته وتأثيره. فإذا كان دوره محدودًا أو شكليًا فقط، فإن ذلك يمثل إهانة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وإهمالًا لاحتياجاتهم. المطلوب هو إرادة سياسية حقيقية وخطط تنفيذية ملموسة تجعل من المجلس أداة للتغيير الإيجابي، وليس مجرد عنوان بلا مضمون. الأشخاص ذوو الإعاقة في ليبيا يستحقون أكثر من وعود فارغة؛ هم بحاجة إلى أفعال تُترجم على أرض الواقع لضمان حقوقهم وإدماجهم الكامل في المجتمع.


أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال