في خطوة تُحسب لرئيس مجلس الوزراء "عبدالحميد الدبيبة" ووزير الرياضة "عبدالشفيع الجويفي"، شهدت العاصمة الليبية طرابلس احتفالية تكريم الرياضيين المتميزين للموسم الرياضي 2023-2024. هذه الاحتفالية، التي حضرها عدد من المسؤولين الرياضيين وأعضاء اللجان الأولمبية والبارالمبية، بالإضافة إلى عائلات الرياضيين، كانت فرصة لتسليط الضوء على إنجازات أبطالنا الذين رفعوا اسم ليبيا في المحافل العربية والإفريقية والدولية. ومع ذلك، فإن هذه الاحتفالية تطرح تساؤلات حول معايير التكريم ومدى شفافية عملية الاختيار
التكريم: خطوة إيجابية نحو دعم الرياضة
لا شك أن تكريم الرياضيين المتميزين يُعد خطوة إيجابية تُعبر عن تقدير الدولة لجهودهم وإنجازاتهم. ففي كلمته خلال الاحتفالية، أكد رئيس الوزراء على فخره واعتزازه بما حققه هؤلاء الأبطال، ووصف التكريم بأنه "تقدير وتتويج لإنجازاتهم ودافع لهم ولزملائهم لتحقيق المزيد من الإنجازات الرياضية". كما أعلن عن إعادة تأهيل ملعبي نادي البراري المخيلي والمنار سوسة، مما يُظهر اهتمام الحكومة بتحسين البنية التحتية الرياضية.
هذه الخطوات تُرسل رسالة قوية للرياضيين بأن جهودهم محل تقدير، وأن الدولة تدعم مسيرتهم الرياضية. التكريم ليس مجرد حدث رمزي، بل هو أداة لتحفيز الرياضيين على بذل المزيد من الجهد ورفع مستوى التنافسية في المجال الرياضي.
تساؤلات حول معايير التكريم
على الرغم من الإيجابيات التي تحملها هذه الاحتفالية، إلا أن هناك تساؤلات مشروعة حول معايير اختيار الرياضيين المكرَّمين. وفقًا للمعلومات المتداولة، تم تكريم 140 لاعبًا، لكن اللافت أن بعضهم لم يشارك في أي نشاط رياضي منذ عام 2019 أو حتى قبل ذلك. هذا يثير تساؤلات حول مدى دقة وشفافية عملية الاختيار.
التكريم مسؤولية كبيرة، ويجب أن يُبنى على معايير واضحة ومنصفة لضمان مصداقيته. من أهم هذه المعايير:
- تاريخ الإنجازات الرياضية: يجب أن تكون القمة في الإنجازات هي تحقيق قلادة في الألعاب الأولمبية أو البارالمبية، كونها أرفع الأوسمة الرياضية عالميًا.
- الاستمرارية في النشاط الرياضي: إعطاء الأولوية للرياضيين النشطين خلال السنوات الأخيرة.
- التنوع والعدالة: تمثيل مختلف الرياضات والفئات بشكل عادل دون إقصاء.
- المشاركة الفعلية: استبعاد من لم يسهموا فعليًا في الأنشطة الرياضية لفترة طويلة.
تكريم لاعبين لم يحققوا إنجازات بارزة مثل القلادات الأولمبية أو البارالمبية، أو حتى لم يشاركوا في المنافسات منذ سنوات، بينما يتم تجاهل آخرين أثبتوا جدارتهم، يثير تساؤلات حول عدالة المعايير. لتحقيق المصداقية والشفافية، يجب على الجهات المنظمة إعادة النظر في أسس الاختيار بحيث يكون التكريم تتويجًا للإنجازات الاستثنائية التي تستحق التقدير الحقيقي.
تكريم أبطال الأولمبياد الخاص: خطوة إنسانية تستحق التقدير
من الجدير بالذكر أن الاحتفالية شهدت تكريم لاعبين من الأولمبياد الخاص الليبي، وهي مبادرة تستحق التقدير والثناء. الأولمبياد الخاص هو حركة عالمية تهدف إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية من خلال الرياضة. على عكس الألعاب الأولمبية التقليدية، فإن الأولمبياد الخاص يركز على المشاركة والتمكين بدلاً من التنافس الشديد. فهو يهدف إلى تعزيز الثقة بالنفس، وتحسين المهارات الاجتماعية، وتوفير فرص للاندماج في المجتمع.
تكريم هؤلاء اللاعبين يُعد اعترافًا بجهودهم وتفانيهم، ويُرسل رسالة قوية بأن الرياضة هي للجميع، بغض النظر عن القدرات الجسدية أو الذهنية. هذه الخطوة تُظهر أن الدولة تهتم بجميع فئات المجتمع، وتعمل على دمجهم في الأنشطة الرياضية والاجتماعية.
مفهوم الأولمبياد الخاص
ألا يكون التكريم على حساب أبطال المنافسات
مع أهمية تكريم أبطال الأولمبياد الخاص، يجب ألا يتم ذلك على حساب الرياضيين الذين حققوا إنجازات تنافسية في المحافل الرياضية الدولية والإقليمية. ففي حين أن الأولمبياد الخاص يركز على المشاركة والتمكين، فإن الرياضيين التنافسيين يمثلون ليبيا في مسابقات عالية المستوى ويتنافسون مع أفضل الرياضيين في العالم.
من المهم أن يتم تخصيص فئات منفصلة للتكريم، بحيث يتم تكريم أبطال الأولمبياد الخاص بشكل مستقل عن الرياضيين التنافسيين. هذا النهج يضمن أن يتم تقدير كل فئة وفقًا لإنجازاتها الخاصة، دون أن يكون تكريم فئة على حساب أخرى. يجب أن يكون التكريم عادلاً وشاملاً، ويعكس الجهود الحقيقية التي بذلها كل رياضي في مجاله.
تكريم لاعب تحت العقوبة: تساؤلات حول العدالة
من بين الملاحظات البارزة التي استوقفتني كمتابع لنشاط رياضي بارالمبي في هذه الاحتفالية، كان تكريم أحد اللاعبين الذي تعرض لعقوبة دولية عام 2023 بسبب انتهاكات تتعلق بالمنشطات. العقوبة التي فرضت عليه تمتد لثلاث سنوات، وشملت شطب نتائجه. هذا التكريم يثير تساؤلات جوهرية حول معايير الاختيار ومدى التزامها بالعدالة والنزاهة.
أتمنى أن أكون مخطئاً في هذه المعلومة، لأن تكريم لاعب لا تزال عقوبته سارية بسبب انتهاكات أخلاقية أو رياضية يُعد أمراً غير مقبول. مثل هذه الخطوة تُضعف من مصداقية عملية التكريم وتبعث برسالة سلبية للرياضيين الآخرين بأن المخالفات قد تُغتفر أو تُتجاهل. ينبغي أن تستند معايير التكريم إلى النزاهة واحترام القواعد الرياضية والأخلاقية، لضمان تكريم الشخصيات التي تمثل القيم الحقيقية للرياضة.
ضرورة الشفافية ونشر المعلومات
لتعزيز الثقة في مثل هذه المبادرات، من الضروري أن تكون عملية الاختيار شفافة تمامًا. أتوجه بنداء إلى وزارة الرياضة لنشر قائمة بأسماء اللاعبين المكرمين، مع توضيح الإنجازات التي قاموا بها والأسباب التي أدت إلى اختيارهم. يمكن نشر هذه المعلومات على الموقع الرسمي للوزارة أو عبر منصاتها الإعلامية، حتى يكون الجمهور على اطلاع تام بمعايير التكريم.
الشفافية ليست مجرد مطلب جماهيري، بل هي أداة لضمان عدالة التكريم وتحفيز الرياضيين على المنافسة الشريفة. عندما يعلم الرياضيون أن التكريم مبني على إنجازات حقيقية وواضحة، سيكون ذلك دافعًا قويًا لهم لبذل المزيد من الجهد وتحقيق المزيد من الإنجازات.
التكريم مسؤولية وليس مجرد حدث
التكريم ليس مجرد حدث سنوي أو مناسبة إعلامية، بل هو مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجهات المنظمة. يجب أن يكون التكريم عادلاً وشاملاً، وأن يهدف إلى تعزيز الروح الرياضية وليس إلى خلق انطباعات إعلامية مؤقتة. من المهم أن يتم تقييم إنجازات الرياضيين بشكل دوري، وأن يتم تكريمهم بناءً على أدائهم الفعلي وليس بناءً على اعتبارات أخرى.
في الختام، أود أن أعبر مرة أخرى عن تقديري لجهود وزارة الرياضة ورئيس مجلس الوزراء في تنظيم هذه الاحتفالية. التكريم خطوة مهمة نحو دعم الرياضة والرياضيين، ولكنها يجب أن تكون مبنية على معايير واضحة وشفافة. أتمنى أن تكون هذه الملاحظات محل اهتمام، وأن تشهد الفعاليات القادمة تحسينات تعزز من قيمة التكريم وتجعله أداة فعالة لتحفيز الرياضيين على تحقيق المزيد من الإنجازات.
ليبقى التكريم رمزًا للعدالة والشفافية، ودافعًا حقيقيًا لرفع راية ليبيا في جميع المحافل الرياضية، دون إغفال أي فئة من فئات المجتمع الرياضي، ودون المساس بمبادئ النزاهة والعدالة و ألف مبروك