في عالمٍ يغصّ بالألوانِ والصور، يُخَيّمُ الظلامُ على حياةِ شريحةٍ عزيزةٍ من مُجتمعنا، هم المكفوفون الذين فقدوا نعمةَ البصر، وفقدوا معها إمكانيةَ الاستمتاعِ بتجاربَ ثقافيةٍ وفنيةٍ غنيةٍ، كمتابعةِ الأفلام على سبيل المثال. بينما ينغمسُ المبصرون في متابعةِ الأحداثِ، والتفاعلِ مع الشخصياتِ، والعيشِ في أجواءٍ من الإثارةِ والتشويق، يظلُّ المكفوفون محرومين من هذه المتعةِ الحقيقية. فهل من وسيلةٍ لكسرِ قيودِ الظلامِ وإيقاظِ بصيرةٍ كامنةٍ في أعماقِهم؟
تجربةٌ تفاعليةٌ لا مثيلَ لها:
لا تقتصرُ "سينما المكفوفين" على مجردِ متابعةٍ سلبيةٍ للأحداثِ على الشاشة، بل تُمثّلُ تجربةً تفاعليةً تُثري مخيلةَ المُشاهدِ المكفوف، وتُتيحُ لهُ فهمَ السياقِ العامّ للفيلمِ بشكلٍ أوضح.
يُساهمُ الوصفُ الدقيقُ للمشاهدِ في تكوينِ صورةٍ ذهنيةٍ واضحةٍ لدى المُشاهدِ المكفوف، ممّا يُتيحُ لهُ الاستمتاعَ بالفيلمِ بشكلٍ كامل، والعيشَ في أجوائهِ المُثيرةِ
حقائق سينمائية مضيئة:
تقنية الوصف الصوتي: تعتمد سينما المكفوفين بشكل أساسي على تقنية الوصف الصوتي، حيث يتم تزويد الفيلم بشرح صوتي دقيق يصف المشاهد والأحداث والحوارات للشخص المكفوف.
تنوع سينمائي: تُقدم سينما المكفوفين تنوعًا واسعًا من الأفلام، من الروائية والدرامية إلى الوثائقية والرسوم المتحركة، لتناسب جميع الأذواق.
مهرجانات عالمية: تُقام العديد من المهرجانات الدولية المتخصصة في سينما المكفوفين، مثل مهرجان CANNES السينمائي للمكفوفين في فرنسا و مهرجان فيينا السينمائي الدولي للمكفوفين في النمسا، احتفاءً بهذا الفنّ المميز.
لأول مرة تدشين سينما للمكفوفين في مهرجان الإسكندرية
رحلةٌ من الحلمِ إلى الواقع:
لم يستسلمْ الفنانُ المصريّ محمد جلال لِواقعِ الحرمانِ المفروضِ على المكفوفين، بل آمنَ بقدرتهم على تجربةِ سحرِ السينما، فكانت فكرةُ "سينما المكفوفين" بمثابةِ شمسٍ أشرقتْ لتُنيرَ دروبَهم.
تَوَلّدت هذه الفكرةُ من رحمِ الخيالِ حين تخيّل جلال إمكانيةَ إنتاجِ أفلامٍ تُناسبُ احتياجاتِ هذه الشريحة، وتُتيحُ لهم ربطَ الصورةِ بالصوتِ بشكلٍ مباشر. ازدادت رغبتهُ في تنفيذِ هذه الفكرةِ بعد مُناقشتها مع صديقةٍ إعلاميةٍ مغربية، والتي أخبرتهُ عن نجاحِ تجربةٍ مُماثلةٍ في المغرب.
لم يكتفِ جلال بالأحلامِ، بل سعى جاهدًا لتحويلِها إلى واقعٍ ملموس. فعرض فكرةَ "سينما المكفوفين" على إدارةِ مهرجانِ الإسكندرية للفيلمِ القصير، الذين رحّبوا بها باهتمامٍ كبير. وفعلاً، تمّ تطبيقُ الفكرةِ خلال فعالياتِ المهرجانِ بعدةِ طرق، منها:
عرضُ الفيلمِ مع وجودِ مُترجمٍ للصورة: حيث يحصلُ كلّ مُتفرّجٍ على سماعة، بينما يتمّ شرحُ الصورِ خلال فتراتِ الصمتِ بين المشاهدِ أو في أثناءِ المشهدِ نفسه، وذلك في حال لم يكن هناك حوارٌ بين الممثلين.
شرحُ الصورةِ السينمائية: يعتمدُ هذا الأسلوبُ على وصفِ المشهدِ بشكلٍ دقيق، بما في ذلك المكانُ والأشياءُ الموجودةُ فيه، سواءً كانت لوحةً أو أثاثًا أو أيّ شيءٍ آخرَ يحملهُ الممثلُ بيده.
تجربةٌ تفاعليةٌ لا مثيلَ لها:
لا تقتصرُ "سينما المكفوفين" على مجردِ متابعةٍ سلبيةٍ للأحداثِ على الشاشة، بل تُمثّلُ تجربةً تفاعليةً تُثري مخيلةَ المُشاهدِ المكفوف، وتُتيحُ لهُ فهمَ السياقِ العامّ للفيلمِ بشكلٍ أوضح.
يُساهمُ الوصفُ الدقيقُ للمشاهدِ في تكوينِ صورةٍ ذهنيةٍ واضحةٍ لدى المُشاهدِ المكفوف، ممّا يُتيحُ لهُ الاستمتاعَ بالفيلمِ بشكلٍ كامل، والعيشَ في أجوائهِ المُثيرةِ.
أمثلة سينمائية مُلهمة:
صمت الحملانThe Silence of the Lambs (1991): فيلم إثارة أمريكي شهير تم تكييفه ليشمل الوصف الصوتي، ليُتيح للمكفوفين الاستمتاع بتفاصيله المُثيرة.
The Matrix(1999): فيلم خيال علمي حظي بشعبية كبيرة لدى جمهور المكفوفين بفضل الوصف الصوتي المُفصل الذي يُضفي ثراءً على عالمه الافتراضي.
البحث عن نيمو (2003): فيلم رسوم متحركة من إنتاج شركة Pixar برز باستخدام تقنيات متقدمة للوصف الصوتي، ليخلق تجربة سينمائية غامرة للمكفوفين.
طفيلي (2019): فيلم إثارة كوري جنوبي حائز على جائزة الأوسكار، تم تكييفه ليشمل الوصف الصوتي، ونال إعجاب النقاد والجمهور على حدٍ سواء.
تُقدم سينما المكفوفين نافذة فريدة على العالم للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وتُتيح لهم فرصة الانغماس في تجربة سينمائية مُؤثرة. ومع تطور تقنيات الوصف الصوتي وازدياد الوعي بأهمية سينما المكفوفين، نتوقع أن يُصبح هذا الفنّ مُنتشرًا بشكلٍ أكبر في المستقبل.