الفجوة بين إمكانيات المؤسسات المالية الليبية الخارجية والاحتياجات المحلية.
تنويه : تم إعداد وصياغة هذا التحليل بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي، اعتمادًا على بيانات ومعلومات متاحة من مصادر خارجية تم إدراجها على شكل كلمات مُرتبطة
تواجه الدولة الليبية اليوم معادلة اقتصادية شديدة التعقيد، يمكن وصفها بحالة من “الفصام المالي” بين القدرات النظرية الهائلة والواقع الاجتماعي والخدمي المتردي. فبينما تمتلك البلاد أذرعًا مالية تمتد عبر القارات وشبكات مصرفية دولية يشرف عليها المصرف الليبي الخارجي، يقف المواطن في الداخل عاجزًا أمام أزمات بدائية كنقص السيولة والدواء. يسعى هذا التقرير إلى تفكيك هذه الفجوة، مستندًا إلى معطيات الواقع وتصريحات المسؤولين وبعض اللقاءات الدولية، لبيان مكمن الخلل في إدارة الموارد الوطنية
أولاً: القوة الناعمة المهدرة.. شبكة دولية بلا ظهير محلي
وفقاً لتصريحات السيد محمد علي عبدالله، رئيس لجنة الإدارة للمصرف الليبي الخارجي (LFB)، تمتلك ليبيا حضوراً مصرفياً استراتيجياً في أكثر من 25 دولة موزعة على ثلاث قارات. هذه الشبكة ليست مجرد أرقام، بل هي أدوات نفوذ مالي تمنح ليبيا -نظرياً- القدرة على:
- تسهيل التجارة بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.
- لعب دور "الجسر المالي" للاستثمارات العابرة للحدود.
- دعم رواد الأعمال في الأسواق المحلية لتلك الدول.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: إذا كانت هذه المنظومة قادرة على تمويل التجارة في عواصم عالمية والمشاركة في قمم اقتصادية رفيعة، لماذا تعجز عن الإسهام في حلحلة أزمات الداخل الليبي؟ فالسوق المحلي ما يزال يعاني من أزمة سيولة ممتدة، وبطء شديد في التحويلات، وتأخر في الخدمات الرقمية مقارنة بما هو متاح عبر أذرع ليبيا المصرفية في الخارج. هذا الانفصال بين كفاءة المؤسسة في الخارج وضعف أثرها في الداخل يعكس خللًا عميقًا في توجيه العوائد والخبرات لخدمة الاقتصاد الوطني
ثانياً: الصندوق الأسود.. غياب الشفافية في "اقتصاد الظل" الحكومي
تمثل مسألة الإنفاق التشغيلي للمؤسسات الخارجية إحدى أكبر الإشكاليات التي تغذي الشعور بالغبن لدى الشارع الليبي. ويمكن تلخيص هذه الإشكالية في النقاط التالية:
1. فوارق الأجور الفلكية
تتقاضى الكوادر الإدارية والفنية في المصارف والمؤسسات السيادية الخارجية رواتب ضخمة بالعملة الصعبة (دولار/يورو)، تتجاوز بأضعاف مضاعفة أجور نظرائهم في الداخل، وحتى أجور المسؤولين في قطاعات حيوية كالنفط والصحة محلياً. هذا التفاوت يخلق طبقة من "النخبة المالية" المنعزلة عن واقع البلاد.
2. عتمة البيانات (The Data Void)
لا تتوفر للعموم تقارير مالية مفصلة ومنتظمة تشرح بوضوح حجم الميزانيات التشغيلية للمكاتب الخارجية، ومعايير اختيار شاغلي المناصب العليا فيها، والعائد الاستثماري الفعلي مقارنة بمصروفاتها. هذا الفراغ في المعلومات يفتح الباب واسعًا أمام الشكوك والتكهنات، ويُضعف ثقة المواطن في أن هذه الشبكات تُدار وفق معايير مهنية صارمة تخدم المصلحة العامة.
3. غياب الأثر الملموس
رغم ضخامة الإنفاق، لا يوجد أثر راجع (Feedback Loop) يساهم في تطوير البنية التحتية المصرفية داخل ليبيا أو يحسن معيشة المواطن. الأموال تُنفق هناك، والنتائج لا تصل إلى هنا.
ثالثاً: سوء الإدارة كبديل لمصطلح "الفساد"
- قد لا يكون التوصيف القانوني لما يحدث هو "فساد" بالمعنى التقليدي للسرقة المباشرة، ولكنه يندرج تحت بند "الهدر المقنن" و "سوء الإدارة الجسيم".
- الإنفاق بلا أهداف: صرف ميزانيات ضخمة للتمثيل الخارجي دون ربطها بمؤشرات أداء (KPIs) تنعكس على الاقتصاد المحلي.
تخيل أن مؤشرات الأداء (KPIs) هي مثل "لوحة النتائج" في مباراة كرة قدم أو "عداد السرعة" في السيارة.ببساطة شديدة: هي أرقام تخبرك فوراً هل أنت تنجح وتتقدم؟ أم أنك تخسر وتضيع وقتك ومالك؟ بدونها، أنت تصرف المال وتعمل دون أن تعرف النتيجة الحقيقية.
ضعف الرقابة: كما أشار السيد عبدالله في مقابلته حول أهمية الحوكمة، فإن التطبيق العملي لهذه الحوكمة يكاد يكون معدوماً عندما يتعلق الأمر بمساءلة المؤسسات الخارجية عن جدواها الاقتصادية للداخل.
رابعاً: المفارقة الأخلاقية.. بنوك عالمية ومرضى بلا دواء
الصورة الأكثر إيلامًا في هذا المشهد هي المفارقة الصارخة بين ما يجري في الخارج وما يعيشه المواطن في الداخل. فمن جهة، تشارك مؤسسات مصرفية ومالية ليبية في قمم ومنتديات دولية، وتحصل على جوائز وتُبرز دورها في تمويل مشاريع واستثمارات عابرة للحدود. ومن جهة أخرى، يخرج مواطنون ومرضى من بينهم مصابون بأورام وأمراض مزمنة مثل ضمور العضلات في احتجاجات ووقفات أمام مقار رسمية للمطالبة بحقهم في العلاج والدواء.
هذا التناقض يطرح سؤالًا أخلاقيًا قبل أن يكون اقتصاديًا: كيف لدولة تمتلك شريانًا ماليًا يمتد إلى أكثر من عشرين دولة، وتدير أصولًا معتبرة في الخارج، ألا تستطيع بشكل مستقر توفير اعتمادات لتوريد أدوية وعلاجات أساسية؟ وتشير المقارنات التقريبية بين كلفة الإنفاق التشغيلي لبعض هذه المؤسسات وكلفة علاج الحالات الحرجة إلى أن جزءًا محدودًا من تلك المصروفات، لو أُعيد توجيهه، يمكن أن يغطي علاج أعداد كبيرة من المرضى الذين يضطرون اليوم لبيع ممتلكاتهم بحثًا عن فرصة للعلاج في الخارجإن تكلفة الإنفاق التشغيلي لبعض هذه المؤسسات الخارجية قد تكفي وحدها لتغطية نفقات علاج آلاف الحالات الحرجة التي تضطر لبيع ممتلكاتها للسفر للعلاج، في دولة يُفترض أنها غنية.
إعادة ترتيب الأولويات الوطنية
بناءً على ما سبق، يتضح أن أزمة ليبيا ليست "أزمة موارد" بل هي "أزمة إدارة أولويات". إن استمرار الوضع الحالي يعني استنزافاً مستمراً للثروة الليبية في الخارج دون عائد تنموي.
خارطة طريق مقترحة للتصحيح:
- الشفافية المطلقة: نشر تقارير ربع سنوية مدققة توضح رواتب ومصروفات كافة المؤسسات والمصارف الخارجية
- ربط الخارج بالداخل: اشتراط تحويل نسبة محددة من أرباح وخبرات المؤسسات الخارجية لتطوير النظام المصرفي والخدمي المحلي (Technology Transfer).
- ترشيد الإنفاق: إعادة تقييم جدوى التواجد في بعض الساحات الدولية، وتوجيه الوفورات المالية لدعم قطاع الصحة والتعليم المنهار.
- الحوكمة الفعالة: تفعيل أدوات رقابة حقيقية تضمن أن كل دولار يُنفق في الخارج يخدم مصلحة المواطن في الداخل، وليس مجرد رفاهية وظيفية لقلة من المسؤولين.
من مصادر AlBaraka Forum for Islamic Economy
