في مفارقة سياسية تضع الخطاب الحكومي على المحك، اصطدمت الوعود الرسمية "باستعادة هيبة الدولة" بجدار الواقع الدولي القاسي بعد أيام معدودة فقط من إطلاقها. ففي الثلاثين من نوفمبر 2025، وقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، أمام "الملتقى الأول لرؤساء البعثات الدبلوماسية" في طرابلس، معلناً بثقة أن ليبيا قد طوت صفحة العزلة واستعادت مكانتها كشريك دولي فاعل، مشيراً إلى نجاح حكومته في رفع القيود الأمنية عن مئات المواطنين في الخارج. إلا أن هذه الصورة الوردية سرعان ما تبددت على شاشات المواطنين الليبيين الذين حاولوا حجز تذاكر حضور مباريات كأس العالم 2026؛ حيث فوجئوا بحظر إلكتروني يمنع حاملي الجواز الليبي من إتمام عمليات الشراء. هذا المنع لم يكن مجرد خلل فني، بل انعكاساً مباشراً لعودة قيود السفر الأمريكية الصارمة على مواطني دول محددة، من بينها ليبيا، بدواعي الأمن القومي، بالإضافة إلى استمرار العزلة المصرفية التي ترفض فيها بوابات الدفع العالمية التعامل مع البطاقات المحلية. هذه الحادثة كشفت عن فجوة عميقة بين "الدبلوماسية البروتوكولية" التي تحتفي بفتح السفارات، وبين "قوة الجواز" الحقيقية التي لا تزال تراوح مكانها، تاركة المواطن الليبي محاصراً بين وعود الداخل وقيود الخارج.
عمق الأزمة: لوائح الفيفا 2025 تصطدم بالواقع المصرفي
وتشير الوثائق التنظيمية الحديثة للاتحاد الدولي لكرة القدم، وتحديداً "لوائح وضع وانتقال اللاعبين - إصدار يناير 2025"، إلى أن الأزمة قد تتجاوز مجرد حرمان الجمهور من التذاكر لتهدد مستقبل الأندية الليبية نفسها. فبينما يعاني النظام المصرفي الليبي من عزلة تمنع الأفراد من الدفع الإلكتروني البسيط، تفرض اللوائح الجديدة (المادة 12 مكرر والمادة 24) عقوبات صارمة وتلقائية على الأندية التي تتأخر في سداد المستحقات المالية الدولية لأكثر من 30 يوماً، تصل إلى الحرمان من قيد اللاعبين لثلاث فترات متتالية.
كما أن تفعيل نظام "غرفة المقاصة بالفيفا" (FIFA Clearing House)، المعرّف في اللوائح (التعريف رقم 33، المادة 7، والمرفق 4)، والذي يعمل كوسيط مركزي لمعالجة "مكافآت التدريب والتضامن" آلياً، يضع الكرة الليبية في مأزق حقيقي. فإذا كانت البنوك الدولية ترفض بطاقات المشجعين الصادرة من ليبيا، فإن قدرة الأندية على تحويل هذه المبالغ عبر القنوات الرسمية المركزية للفيفا تصبح محل شك كبير. هذا الواقع ينسف سردية "الانفتاح الدولي" ويؤكد أن الدبلوماسية السياسية لم تنجح بعد في فك الحصار المالي والتقني الذي يجعل من الامتثال لقوانين الفيفا الجديدة أمراً شبه مستحيل عملياً.
