بين تصحيح المسار والشفافية: هل يؤسس اجتماع نوفمبر لعقد اجتماعي جديد بين "التضامن" وذوي الإعاقة؟



في توقيت حساس يسبق الاحتفال باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، شهدت أروقة الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي يوم الاثنين، 24 نوفمبر 2025، حدثاً استثنائياً قد يشكل نقطة تحول في العلاقة بين المؤسسة الحكومية والمواطن. الاجتماع التقابلي الأول بين رئاسة الهيئة ونخبة من القيادات الميدانية البارزة لنشطاء ذوي الإعاقة، لم يكن مجرد بروتوكول لامتصاص غضب الشارع، بل تحول  بحسب الوقائع والمخرجات إلى ورشة عمل مكاشفة استمرت لأربع ساعات.

وقد ضم الوفد مجموعة من الشخصيات المشهود لها بالحراك الميداني المؤثر، إذ شارك بحضور لافت كل من: أحمد شليبك ، وفوزي الفاضلي ، وصلاح كحيل ، والذين وضعوا الملفات الشائكة على طاولة "الالتزام" بدلاً من "الوعود"، متسلحين بخبرتهم المباشرة في ملامسة هموم الشريحة يومياً.

ما وراء التوقيت: استباق للاحتفال أم تأسيس للشراكة؟

لطالما كان الثالث من ديسمبر موعداً للاحتفالات الخطابية، لكن هذا العام يبدو مختلفاً. شعار "تصحيح المسار" الذي رفعه هذا الحراك الميداني النشط، قوبل باستجابة رسمية تمثلت في فتح أبواب الهيئة لنقاشٍ وصف بـ"الشفاف والمطول". هذا التقارب يعكس رغبة الطرفين في تجاوز مرحلة "الشد والجذب" إلى مرحلة "العمل المشترك"، حيث أكدت الهيئة أن الاجتماع ليس لامتصاص الغضب، بل لتوضيح الحقائق، بينما أثبت الناشطون أن دورهم يتجاوز النقد إلى المشاركة في صنع الحلول.


الملف المالي: الكرة في ملعب "الخزانة العامة"

تصدر ملفا "الإعانة المنزلية" و"المعاشات الأساسية" قائمة الملفات الأكثر سخونة. وهنا، اتسم رد الهيئة بالوضوح المؤسسي، نافية وجود أي تقصير إجرائي داخلي، ومحملة المسؤولية لتأخر التسييل المالي من وزارة المالية والخزانة العامة.

هذا الطرح المتوازن يضع النقاط على الحروف؛ فالهيئة أبدت جاهزيتها الإدارية وتعهدت بالصرف المنتظم فور توفر السيولة، بل وكشفت عن تقديم مقترحات لزيادة المعاشات (1000 دينار للفرد و1500 للأسرة)، وهو ما ينقل الضغط المشروع من "صندوق التضامن" إلى "رئاسة الحكومة" و"وزارة المالية" لتحمل مسؤولياتهما، مع التزام الصندوق بجدولة الديون السابقة (2018-2024).

ثورة في المعايير: من "الكم" إلى "الجودة الألمانية"

لعل أبرز المكاسب الفنية لهذا الاجتماع هو الاتفاق الصريح على تغيير سياسة توريد المعدات. ذكر شركة عالمية بحجم "أوتوبوك" (Otto Bock) الألمانية كشريك مستقبلي، والحديث عن إشراك ذوي الإعاقة في لجان التوريد والاختيار، يمثل اعترافاً ضمنياً بأن سياسات التوريد السابقة كانت بحاجة لمراجعة. هذا التحول يضمن أن تكون "الجودة" و"الملاءمة لاحتياجات المستخدم" هي المعيار، وليس فقط "توفير العدد"، مدعوماً بخطة لإنشاء قاعدة بيانات دقيقة للمعدات تشمل العمر الافتراضي والمواصفات الفردية.

تصحيح أخطاء الماضي: المسح الشامل والإنصاف

لم يغفل الاجتماع "الجروح القديمة" التي خلفها المسح الشامل السابق ولائحة 2018. الاتفاق على تشكيل لجان لمراجعة ملفات المستبعدين (مثل حالات الشلل النصفي غير التام) وإنصافهم، يعد خطوة شجاعة نحو العدالة الإدارية ورد الاعتبار. كما أن الحديث عن قاعدة بيانات مفصلة ودقيقة يعالج جذور المشكلة المتمثلة في العشوائية وغياب المعلومات، مما يسهل مستقبلاً تقديم الخدمات لمستحقيها دون عناء.



كسر حاجز الصمت: التواصل المباشر

في خطوة لتعزيز الثقة، تم تفكيك أحد أكبر عوائق التواصل؛ وهو "الحجب الرقمي". الاتفاق على فتح التعليقات في الصفحات الرسمية وتخصيص موظفين للرد، مع الحفاظ على حق النقد البناء، ينهي حقبة "الرأي الواحد" ويؤسس لرقابة مجتمعية فاعلة. الهيئة هنا تلتزم بأن تكون "مؤسسة زجاجية" قابلة للمساءلة، والناشطون يلتزمون بالنقد المسؤول.


خارطة طريق لما بعد 3 ديسمبر

اختتم الاجتماع برؤية جديدة لليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. رفض الناشطين للمهرجانات التي لا طائل منها قوبل بموافقة الهيئة على تحويل هذا اليوم لمنصة لإطلاق المشاريع والقرارات وتصحيح المفاهيم.

رأي شخصي: عيوننا على التنفيذ

بصفتي مدوناً يعايش تفاصيل المعاناة اليومية لهذه الشريحة، تابعت بترقب مخرجات هذا الاجتماع، وإذ أثمن عالياً هذه الخطوة الشجاعة من الهيئة وسعة صدر رئيسها في المكاشفة، لا يسعني إلا أن أتوجه بتحية خاصة لفرسان الميدان: أحمد شليبك، وفوزي الفاضلي، وصلاح كحيل، الذين نقلوا الوجع كما هو ورسخوا مبدأ الشراكة. نحن ندعم هذا الحوار ونبارك شعار "تصحيح المسار"، لكن رسالتنا تظل واضحة: لقد شبعنا من الخطط، ونريد اليوم أثراً ملموساً؛ نريد معدات بجودة عالية، ومعاشات في موعدها، واحتراماً في كل مؤسسة. سنظل نراقب ونكتب حتى يتحول محضر الاجتماع إلى واقع، وتُصان كرامة ذوي الإعاقة، فالعمل الحقيقي يبدأ الآن.

نحن أمام مشهد جديد؛ الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي تخرج من عباءة "الدفاع" إلى "المبادرة والالتزام"، وهؤلاء الناشطون يثبتون بوقفتهم الميدانية أن "لا شيء عنهم بدونهم". هذا الاجتماع ليس صكاً على بياض، بل هو "وثيقة التزام" وضعت معايير محددة (توقيتات، لجان، نوعية معدات). النجاح الحقيقي لهذا "التقارب" سيبقى مرهوناً بالتنفيذ على الأرض، واستمرار هذه الروح التشاركية لما بعد الثالث من ديسمبر.



أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال