يحتفل العالم في الثالث من ديسمبر من كل عام باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، وهو يوم أصبح ركناً أساسياً في منظومة حقوق الإنسان. غير أن القليل يعرف أن هذا اليوم يعود في جذوره إلى مبادرة ليبية تاريخية قادها الدبلوماسي الليبي منصور رشيد الكيخيا في منتصف السبعينيات، عندما رفع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة مقترحاً بإعلان سنة دولية للمعوقين، وهو المقترح الذي تم اعتماده رسمياً في القرار 31/123 عام 1976.
مبادرة ليبية غيّرت مسار قضية الإعاقة عالمياً
كان اقتراح السفير الكيخيا عام 1976 خطوة تأسيسية في مسار إدخال قضية الإعاقة إلى جدول أعمال الأمم المتحدة باعتبارها قضية حقوق إنسان وليست مجرد خدمة اجتماعية أو رعاية خيرية. وأدى هذا المقترح إلى إعلان عام 1981 سنة دولية للمعوقين تحت شعار "المشاركة الكاملة والمساواة"، وإلى وضع أول إطار عالمي لمعالجة الإعاقة من منظور شامل، حقوقي وتنموي.
خلفيات إنسانية دفعت السفير إلى المبادرة
تشير شهادات المقربين منه إلى أن اهتمام السفير الكيخيا بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لم يكن طارئاً، بل نشأ من تجاربه الإنسانية في بنغازي خلال الثلاثينيات، حين شاهد كثيرين من المصابين بإعاقات ناجمة عن الحرب يفتقرون للرعاية والخدمات ولأي شكل من أشكال الحماية القانونية. وفي المؤتمر الدولي لتشريعات الإعاقة عام 1978، أكد الكيخيا أن غياب الوعي والتثقيف حول الإعاقة يمثل تحدياً عالمياً، وأن تحسين الأوضاع يبدأ بتغيير الذهنيات قبل تغيير القوانين.
من سنة دولية إلى منظومة حقوقية شاملة
استمرت الأمم المتحدة بعد سنة 1981 في البناء على تلك المبادرة الليبية عبر خطوات عديدة، منها:
- برنامج العمل العالمي (1982)
- عقد الأمم المتحدة للمعاقين (1983–1992)
- إعلان 3 ديسمبر يوماً دولياً للأشخاص ذوي الإعاقة (1992)
- اعتماد مصطلح "الأشخاص ذوي الإعاقة" وإطلاق اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2006 و2007)
لقد شكّلت هذه الخطوات معاً المنظومة الدولية الحالية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
شهادة جهان كيخيا: البعد الإنساني للإرث الدولي
في 13 يونيو 2017، وقفت جهان كيخيا داخل قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (COSP) وقدّمت شهادة مؤثرة تلقي الضوء على الدافع الإنساني وراء مبادرة والدها.
استعانت الجلسة بخدمة CART لضمان الوصولية، وتمت الإشارة إلى أن النص هو مسودة أولية.
الوصول إلى الاتصالات في الوقت الحقيقي" (CART) إلى تقنية تُترجم الكلام المنطوق إلى نص مكتوب يظهر في الوقت الفعلي على شاشة، وهو مفيد للأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع أو لمن يرغبون في تحسين فهمهم للغة.
روت جهان أن والدها عرف مبكراً حجم معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا عندما كان طفلاً في بنغازي، وشاهد ضحايا الحروب دون خدمات أو تشريعات تحمي حقوقهم. وأكدت أن قيادته في الأمم المتحدة ساهمت في نجاح السنة الدولية للمعوقين، وفي وضع الأسس القانونية والدعوية التي أدت لاحقاً إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقدمت جهان مشهداً إنسانياً عميقاً عندما ذكرت أن والدها فُقد وهي في السادسة، وأن جثمانه لم يُعثر عليه ويُعرّف إلا عام 2012، حيث جرت مراسم دفنه في 3 ديسمبر 2012اليوم نفسه الذي يحتفل فيه العالم بالأشخاص ذوي الإعاقة. ووصفت هذا التزامن بأنه رمز يتجاوز الكلمات، إذ يربط بين نضال والدها وبين اليوم الذي أصبح يمثل شمولية وكرامة ومساواة لكل الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم.
وأكدت جهان أن إرث والدها ساعد الأمم المتحدة على نقل الإعاقة من إطار "الشفقة" إلى إطار الحقوق الكاملة، حيث يصبح كل شخص ذي إعاقة مشاركاً فاعلاً وصاحب صوت وتأثير.
اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة 2025: تعزيز المجتمعات الشاملة
كما هو الحال كل عام، تختار الأمم المتحدة موضوعاً رئيسياً لليوم الدولي، وفي عام 2025 جاء الموضوع كالآتي:
"تعزيز المجتمعات الشاملة للأشخاص ذوي الإعاقة لدفع التقدم الاجتماعي"
وتقوم فلسفة هذا الموضوع على مبادئ أساسية تشمل:
- الجميع يستحق المشاركة الكاملة في المجتمع بلا استثناء.
- الشمولية ليست خياراً، بل أساس مجتمع أقوى وأكثر عدلاً.
- دمج الأشخاص ذوي الإعاقة يعزز التنمية ويحقق تقدماً للجميع.
- رفع أصوات الأشخاص ذوي الإعاقة واجب أخلاقي ومجتمعي.
هذا الموضوع ينسجم تماماً مع الرؤية التي ناضل من أجلها منصور الكيخيا قبل نصف قرن، والتي تتمحور حول الكرامة، المساواة، والحقوق الكاملة لكل إنسان.
إن العالم حين يحتفي في 3 ديسمبر بالأشخاص ذوي الإعاقة، فإنه يحتفي أيضاً بإرث إنساني ودبلوماسي بدأ في ليبيا عبر مبادرة السفير منصور الكيخيا. واليوم، تستمر الرسالة نفسها:
مجتمع شامل هو مجتمع أقوى، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هي معيار العدالة الحقيقية.
