أثناء تصفحي لفيسبوك، ظهر أمامي مشهد لبعثة المغرب لذوي الإعاقة في دورة ألعاب التضامن الإسلامي؛ صورة منظمة، فريق كامل، تجهيز ولباس موحّد، وتمثيل فعلي لبلادهم. وفي المقابل تماماً، تظهر مشاركة ليبيا في ألعاب القوى البارالمبية بشكل مخيب للآمال، كأنها مشاركة رمزية لا تعكس أي تخطيط حقيقي. هذا التناقض الصارخ هو ما يطرح السؤال الأهم: لماذا؟
غموض الأرقام: انعكاس لغياب الشفافية
يزداد المشهد تعقيداً عند أبسط نقطة: كم عدد لاعبينا؟ الموقع الرسمي للدورة يذكر 3 رياضيين، بينما الصفحة الرسمية للجنة البارالمبية الليبية تشير إلى رياضييْن اثنين فقط. هذا التضارب في الأرقام ليس مجرد خطأ إحصائي، بل هو دليل ملموس على الارتباك وغياب التنسيق والشفافية.
ولكن سواء كانوا اثنين أو ثلاثة، فإن الرقم بحد ذاته هو تمثيل باهت ومخجل، لا يليق بسمعة ليبيا. والأمر الأكثر سوءاً، هو أن هذا التمثيل الضعيف يأتي في دورة لا تتضمن سوى رياضتين بارالمبيتين فقط هما ألعاب القوى ورفعات القوة. هذا يعني أن فشلنا في تكوين وفد لائق يتركز في الرياضات التي من المفترض أننا الأقوى فيها. إنها مشاركة رمزية، حتى وإن كان أحد هؤلاء المشاركين القلائل هو بطل عالمي بحد ذاته.
مفارقة البطل العالمي: قمة الموهبة وقاع الإدارة
وهنا تكمن المفارقة الأشد إيلاماً. فوفقاً للمعلومات، فإن أحد هؤلاء المشاركين القلائل (سواء كانوا اثنين أو ثلاثة) هو البطل العالمي محمود سعد رجب. هذا البطل الذي حقق إنجازاً تاريخياً غير مسبوق وتُوّج بالميدالية الذهبية في رمي القرص (فئة F57) ببطولة العالم – نيودلهي 2025، مانحاً ليبيا أول ذهبية عالمية ومحطماً الرقم الأفريقي (46.73 متر).
فبدلاً من أن يكون وجود بطل عالمي سبباً لبناء وفد كامل يليق به ويدعم زملاءه، يتم اختصار البعثة بأكملها ليصبح البطل العالمي مجرد "رقم" ضمن وفد "رمزي". هذا يثبت أن الفشل ليس في قلة المواهب، بل هو فشل إداري ذريع في استثمار الإنجازات والبناء عليها وتمثيل ليبيا بالشكل اللائق.
ضياع الفرصة: أكثر من مجرد مشاركة
المشكلة لا تكمن فقط في تقليص العدد، بل في حرمان اللاعبين الآخرين من فرصة لا تعوض. في ظل غياب شبه تام للمنافسات المحلية الجادة، تُعتبر الدورات الدولية مثل ألعاب التضامن الإسلامي هي المحك الحقيقي والمقياس الوحيد ليعرف الرياضيون مستواهم الفني ويطوروا أداءهم بالاحتكاك مع مستويات أعلى. حرمانهم من هذه الفرصة هو فشل في صميم عملية التطوير الرياضي.
المسؤولية المزدوجة: فشل في منصبين
عند البحث عن المسؤولية، نجد أنفسنا أمام حالة فريدة من تركيز الإخفاق. المعلومات تشير إلى أن رئيس الوفد البارالمبي هو نفسه أمين اللجنة البارالمبية. هذا يعني أن الشخص المنوط به إدارياً تجهيز البعثة (رئيس الوفد) هو ذاته الشخص المسؤول عن التواصل والتفاوض لحفظ حقوق اللاعبين (أمين اللجنة).
لقد فشل في المهمتين: بصفته أميناً للجنة، يبدو أنه اكتفى بالردود الأولية من الجهات المنظمة التي قلصت العدد "حسب دهاليزها"، دون إصرار أو متابعة للدفاع عن حق المزيد من اللاعبين. وبصفته رئيساً للوفد، فهو المسؤول المباشر عن النتيجة النهائية المتمثلة في هذا الوفد الضئيل. إنه فشل إداري وفشل في التواصل، يتمركز في شخص واحد.
المسؤولية العليا: دور اللجنة الأولمبية
هذا الإخفاق لا يتوقف عند حدود اللجنة البارالمبية. فبينما يتركز اللوم المباشر على رئيس الوفد وأمين اللجنة، فإن حلقة المسؤولية الإدارية العليا، والجهة التي تملك الاعتماد النهائي للتسجيل في مثل هذه الدورات، هي اللجنة الأولمبية الوطنية. هذا يضعهم في دائرة المسؤولية، فإما أنهم كانوا على علم بهذا التقليص ووافقوا عليه، أو أن آلية التنسيق بينهم وبين اللجنة البارالمبية معطلة تماماً. في كلتا الحالتين، فإن الاعتماد على المبادرات الفردية بدلاً من منظومة مؤسسية واضحة تربط بين هذه الجهات هو أصل الخلل.
ليست نزهة، بل مهمة وطنية
إن تمثيل ليبيا في مهمة وطنية رسمية كهذه ليس نزهة عابرة أو رحلة سياحية، بل هو استحقاق ومسؤولية. إنه ليس مجالاً للقرارات الفردية أو التنسيق الهش الذي أضر بسمعة رياضتنا مراراً وتكراراً. لذا، فإننا نوجه دعوة صادقة لمراجعة شاملة وفورية لآليات العمل والمساءلة، ليس فقط داخل المنظومة البارالمبية، بل في علاقتها مع اللجنة الأولمبية. يجب إصلاح هذا الخلل لضمان عدم تكرار هذا الإخفاق، ولنضمن مستقبلاً تمثيلاً مشرّفاً يليق بطاقات أبنائنا ومكانة ليبيا.
