هل يجرؤ ستيفن سبيلبرغ على إخراج فيلم عن غزة؟

 


في عام 1993، قدّم المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ واحدًا من أعظم أفلام القرن العشرين: قائمة شندلر (Schindler’s List). لم يكن الفيلم مجرد عمل سينمائي، بل شهادة حية على واحدة من أظلم فصول التاريخ الإنساني، وثّق فيه القصة الحقيقية لرجل الأعمال الألماني أوسكار شندلر الذي أنقذ أكثر من 1100 يهودي من المحرقة النازية عبر توظيفهم في مصانعه خلال الحرب العالمية الثانية.

الفيلم، الذي صُوّر بالأبيض والأسود، جسّد الرعب والإبادة والنجاة، واستند إلى مراجع تاريخية دقيقة، ليصبح شاهدًا بصريًا قويًا على معاناة الضحايا، وليخلّد أسماءهم في الذاكرة العالمية.

صوت الناجين… وموسيقى الخلود

من العناصر التي جعلت الفيلم خالدًا في الذاكرة الجمعية، كانت الموسيقى الساحرة التي وضعها الموسيقار الألماني هانز زيمر، والتي مزجت الحزن العميق بالأمل الهادئ. عزف الكمان المنفرد الحزين  الذي أداه عازف الكمان الشهير إتسحاق بيرلمان  أصبح مرادفًا للدموع التي لا تُرى، وللقصص التي لم تُروَ بعد.

من شندلر إلى غزة: أين الضمير السينمائي؟

اليوم، بعد مرور أكثر من 30 عامًا على ذلك العمل العظيم، تتجه أنظار العالم إلى غزة، حيث يموت الأطفال جوعًا، وتُهدم البيوت فوق ساكنيها، وتُمنع المساعدات، وتغيب الكاميرات عن رواية الحقيقة.

فهل يمكن لستيفن سبيلبرغ أن يصنع فيلمًا عن غزة؟

هل يستطيع أن يروي  ولو لمرة  قصة شعب يعيش تحت الحصار، ويُقتل جماعيًا، ويُجبر على النزوح واللجوء مرارًا وتكرارًا؟

هل سيحظى ضحايا غزة بما حظي به ضحايا الهولوكوست من إنصاف بصري وإنساني؟

الهوية والسياق: التحدي الأكبر

لا شك أن سبيلبرغ يُعد من أكثر الشخصيات نفوذًا في هوليوود، ومعروف بانتمائه العميق لهويته اليهودية، ودعمه العلني للمؤسسات الإسرائيلية. وهذا ما يجعل السؤال أكثر حساسية:

هل يستطيع شخص حمل آلام شعبه، أن ينقل آلام الآخرين؟

ربما يُقال إن الحديث عن "الحياد" في السينما مجرد وهم، لكن لا يمكن إنكار أن هناك مأساة إنسانية جارية اليوم، في وضح النهار، يُذبح فيها الأطفال، وتجف فيها المياه، وتُمنع فيها الأغذية، وتُحاصر فيها المدن.

إذا كان قائمة شندلر كشف الستار عن فظائع الهولوكوست، فإن غزة تعيش مأساة موازية، أمام أعين العالم، ولكن بلا كاميرا سينمائية كبرى ترويها.

السينما ليست انتقائية

السينما ليست فقط أداة فنية، بل مرآة للضمير. وإن كان بإمكان ستيفن سبيلبرغ أن يوثق قصة رجل أنقذ مئات اليهود من الإبادة، فهل يمكنه أن يوثق معاناة مليون طفل في غزة، يُحرمون من الدواء، والماء، والأمان؟

أليس من العدالة أن تحظى غزة، على الأقل، بقصتها؟

موسيقى هانز زيمر في غزة؟

تخيل فقط، للحظة، موسيقى حزينة تخرج من أنقاض حي الشجاعية، أو بيت حانون. تخيّل عزف الكمان يرافق مشهد أم تبحث عن أطفالها تحت الركام.

أليست هذه أيضًا قصة تستحق أن تُروى؟

أليست هذه دموعًا تستحق عزفًا؟

من يكتب القصة، ومن يملك الصوت؟

ربما لن يجرؤ سبيلبرغ على إخراج فيلم عن غزة.

وربما لن يُعرض فيلم فلسطيني عن غزة في مهرجانات عالمية دون أن يُتهم بـ"التحريض".

لكن التاريخ لا ينتظر الإذن من أحد.

الكاميرا قد تُمنع اليوم، لكن الذاكرة لا تُمنع.

والموسيقى قد تُصادر، لكن النغم يبقى في الوجدان.

وغزة، كما كانت دومًا، ستروي قصتها، ولو بعد حين.


أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال