
في مشهد يعكس تناقضًا صارخًا في الأولويات، تعيش الرياضة الليبية هذه الأيام فجوة عميقة بين الدعم السخي لكرة القدم والإهمال التام لرياضة ذوي الإعاقة. بينما تستعد وزارة الرياضة الليبية لدعم حدث كروي ضخم في مدينة ميلانو الإيطالية، تُترك اللجنة البارالمبية الليبية تناضل لتوفير أبسط المتطلبات لخمسة رياضيين فقط يمثلون ليبيا في بطولة دولية مرموقة.
ميلانو تتألق، وبوزنان تنتظر
البيان الرسمي للاتحاد الليبي لكرة القدم، الصادر بتاريخ الثلاثاء 25 يونيو 2025، حمل بشرى سارة لعشاق كرة القدم: دعم حكومي كامل لإقامة مرحلة سداسي التتويج للدوري الليبي الممتاز في ميلانو، للعام الثاني على التوالي. هذا الحدث، الذي يُنسق مع الاتحادين الليبي والإيطالي وبمشاركة جهات سياسية رفيعة، يُظهر استعدادًا لوجستيًا وفنيًا وإداريًا غير مسبوق، مع تدخل وزارة الخارجية لتأمين تسهيلات استثنائية. إنه مشهد يُبرز حجم الاهتمام والالتزام الرسمي بحدث كروي يُقام خارج الحدود.
في المقابل، وعلى بعد آلاف الكيلومترات، تنتظر اللجنة البارالمبية الليبية ردًا على مناشداتها لوزارة الرياضة. المطلوب لا يتجاوز 10,000 دولار أمريكي لتغطية تذاكر السفر، والملابس، ومصروف الجيب لخمسة رياضيين من ذوي الإعاقة، استعدادًا للمشاركة في بطولة "Poznan 2025 World Boccia Challenger" في بولندا. هذا المبلغ الزهيد، بمقاييس أي ميزانية حكومية مسؤولة عن سمعة البلاد وتمثيلها، لم يجد حتى الآن أي استجابة، رغم أن الوقت ينفد والفرصة تتضاءل.
أبطال منسيون: رحلة شاقة على نفقتهم الخاصة
المفارقة المؤلمة تكمن في أن هؤلاء الرياضيين، الذين يحملون آمال ليبيا في محفل دولي رسمي، اضطروا للسفر إلى تونس على نفقتهم الخاصة لاستخراج تأشيرات بولندا. لم يكن هناك أي غطاء مالي أو دعم حكومي لهذه الرحلة الضرورية. خطاب رئيس اللجنة البارالمبية، خالد محمد الرقيبي، إلى وزارة الرياضة، كان مجرد نداء لتوفير الحد الأدنى من المتطلبات، لكنه قوبل بصمت مطبق.
وفي تصريح خاص قال اللاعب الدولي في البوتشيا حمزة الهمالي:
"أنا مستاء ومحبط جدًا لما نشوف التمييز هذا بعيني. نحن نتمرن بظروف صعبة، ونسافر على حسابنا، بينما رياضيين في ألعاب أخرى يلقوا كل شي جاهز. إحنا مش أقل منهم، ومحتاجين نُعامل بإنصاف."
تصريح حمزة يُعبّر بصدق عن حجم الإحباط الذي يشعر به رياضيون يُمثّلون ليبيا بإخلاص، ويواجهون التجاهل والإقصاء بصمت مؤلم.
إنها قصة رياضيين يناضلون من أجل رفع اسم بلادهم، لا يطلبون ترفًا، بل مجرد مساعدة بسيطة لتمكينهم من المشاركة في بطولة "Poznan 2025 World Boccia Challenger". هذه البطولة، وهي جزء رسمي من روزنامة الاتحاد الدولي للبوتشيا (World Boccia)، تُعد فرصة حاسمة للرياضيين ذوي الإعاقة الجسدية للتنافس والتصنيف عالميًا في رياضة البوتشيا، التي تُمارس على الكراسي المتحركة. إنها بوابة للتأهيل لبطولات كبرى، بما فيها الألعاب البارالمبية، وتحظى باعتراف رسمي من اللجنة البارالمبية الدولية.
محمود رجب: بطل ليبي يتألق عالمياً رغم التهميش
وفي ظل هذا الواقع المحبط، يبرز اسم البطل الليبي محمود رجب، لاعب ألعاب القوى، الذي شارك في ملتقى تونس الدولي 2025، ضمن سلسلة بطولات التأهيل العالمية، وتمكن من تحقيق إنجاز تاريخي بتأهله إلى بطولة العالم 2025، بعد أن أحرز ذهبية رمي القرص (46.19 متر) وفضية دفع الجلة (12.04 متر).
ورغم هذا التألق، لم يتلقَ رجب سوى تذكرة سفر من اللجنة البارالمبية، بينما تولى أحد معارفه تغطية مصاريف الإقامة له ولمدربه، دون أي دعم من وزارة الرياضة أو اللجنة الأولمبية. قصة محمود رجب هي تجسيد حيّ لرياضيين لا يملكون سوى إرادتهم، ولا يمثلون إلا أنفسهم، ورغم ذلك يصنعون المجد لبلادهم.
دعوة للإنصاف: الرياضة كرامة وليست ترفًا
هذا التناقض الصارخ لا يتعلق بالأرقام فحسب، بل بالقيم والمبادئ. هل تُقاس قيمة الرياضي بما يجلبه من اهتمام إعلامي أو بوجوده في واجهة البطولات الكبرى، بغض النظر عن إعاقته؟ إذا كانت وزارة الرياضة قادرة على تسخير وزارات الخارجية والاتحادات الدولية لتنظيم مباريات كرة قدم في أوروبا، فلماذا تعجز عن توفير 10,000 دولار فقط لأبطال يمثلون ليبيا في بطولة قارية؟
يجب أن تكون الرياضة في أي دولة أداة للوحدة والتمثيل الوطني، لا مجالاً للمحاباة أو التسويق السياسي. رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة ليست هواية جانبية، بل هي حق أصيل يعزز قيم التحدي، المساواة، والكرامة. إن تجاهل مطالب اللجنة البارالمبية، في ظل هذا الكرم المفرط مع كرة القدم، يكشف عن خلل عميق في ميزان العدالة الرياضية.
حان الوقت لتصحيح هذا الخلل، قبل أن يركض الوقت أكثر، وتُهدر فرصة تمثيل ليبيا بكرامة واستحقاق على الساحة الدولية.