التغيير، وليس الصدقة: دروس من نضال الأمريكيين من أجل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأين نحن في ليبيا؟

 


في الخامس والعشرين من مارس 2025، سيُعرض فيلم وثائقي جديد بعنوان "التغيير، وليس الصدقة: قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة" على شبكة PBS. يوثق الفيلم، الذي أخرجه جيم ليبرخت، النضال المستمر لعقود من أجل تحقيق المساواة والدمج، وهو نضال أدى في النهاية إلى إقرار قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة (ADA) عام 1990.

يعتمد الفيلم على لقطات أرشيفية وشهادات حية، حيث يعرض كيف خاض ناشطو حقوق الإعاقة في الولايات المتحدة معارك شرسة ضد التمييز والإقصاء. لم يطلبوا الشفقة، بل قدموا تضحيات جسيمة من أجل الاعتراف بحقوقهم. أحد أبرز هذه اللحظات كان اعتصام سان فرانسيسكو عام 1977، حيث احتل مئات الأشخاص ذوي الإعاقة مبنى حكوميًا لمدة 28 يومًا للضغط من أجل تنفيذ القسم 504 من قانون إعادة التأهيل. كما يُسلط الفيلم الضوء على مشاهد مؤثرة لناشطي ADAPT الذين ربطوا كراسيهم المتحركة بالحافلات احتجاجًا على عدم إمكانية الوصول، وآخرين تخلوا عن أدواتهم المساعدة وصعدوا سلالم مبنى الكابيتول بأيديهم، في رسالة واضحة بأن التغيير لا يأتي إلا بالنضال المستمر.

الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع

يتكرر في الفيلم اقتباس للناشطة أنيتا كاميرون: "الحقوق المدنية لا تُمنح، عليك أن تناضل للحصول عليها، ثم تناضل للحفاظ عليها." هذه العبارة تعكس الواقع الحالي، حيث لا تزال هناك تحديات مستمرة تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، حتى بعد عقود من إصدار القانون. اليوم، هناك دعوى قضائية رفعتها 17 ولاية أمريكية لإلغاء القسم 504، إضافة إلى محاولات تقليص تمويل "ميديكيد"، وسعي شركات الطيران إلى التخلص من القوانين التي تعزز حقوق الركاب ذوي الإعاقة.

ماذا عن ليبيا؟

إذا كان النضال الطويل في الولايات المتحدة قد أثمر عن تشريعات قوية مثل قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة، فكيف هو الوضع في ليبيا؟

لا يزال الأشخاص ذوو الإعاقة في ليبيا يواجهون تحديات هائلة في مجالات إمكانية الوصول، والتنقل، والتعليم، والعمل، والمشاركة السياسية. على الرغم من وجود بعض القوانين، إلا أنها في الغالب غير مفعلة، وتظل الحقوق تُعامل كإحسان أو مبادرات فردية، وليس كالتزام قانوني يضمن المساواة.

على سبيل المثال، لا تزال المباني الحكومية والمدارس والجامعات تفتقر إلى التعديلات اللازمة لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة، كما أن المواصلات العامة غير مهيأة، ما يعيق استقلالية الأفراد. إضافة إلى ذلك، لا توجد سياسات واضحة لدعم توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، ويواجهون عراقيل قانونية في ممارسة حقوقهم السياسية، خاصة في ظل غياب ضمانات قانونية تتيح لهم المشاركة الكاملة في الانتخابات.

نحتاج إلى تغيير حقيقي

يوجه "التغيير، وليس الصدقة" رسالة واضحة: الحقوق لا تأتي بالمطالبات الشكلية، بل بالعمل الجماعي المستمر. في الولايات المتحدة، نجح الناشطون في إحداث تغيير لأنهم نظموا أنفسهم، احتجوا، رفعوا قضايا قانونية، وفرضوا وجودهم في الساحات السياسية والإعلامية. أما في ليبيا، فلا يزال هناك طريق طويل أمام حركة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة للوصول إلى مرحلة التأثير الفعلي.

المطلوب اليوم ليس مجرد تحسين الخدمات، بل تغيير شامل في طريقة التفكير حول الإعاقة. بدلاً من النظر إلى الأشخاص ذوي الإعاقة كفئة تحتاج إلى الرعاية، يجب الاعتراف بهم كمواطنين متساوين، لهم حقوق واضحة ومحمية بالقانون.

إن هذا الفيلم، رغم كونه يتناول تجربة أمريكية، يسلط الضوء على قضية عالمية: النضال من أجل الحقوق لا ينتهي بمجرد إصدار قانون، بل يتطلب جهدًا مستمرًا لحمايته وتطويره. والسؤال الذي يجب أن نطرحه في ليبيا هو: متى ننتقل من المطالبة بالإحسان إلى المطالبة بالحقوق؟

📌 التغيير لا يأتي بالانتظار. إنه يأتي بالمطالبة والعمل المستمر.

أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال