في الأيام الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي موجة واسعة من الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي، تحاكي الأسلوب الفني المميز لاستوديو غيبلي، الذي أسسه المخرج الياباني الأسطوري هاياو ميازاكي. وقد جاءت هذه الموجة بعد إطلاق OpenAI أداة جديدة لإنشاء الصور في 25 مارس، مما مكّن المستخدمين من توليد رسومات رقمية مستوحاة من الطابع اليدوي الفريد الذي اشتهرت به أفلام غيبلي. وسرعان ما امتلأت منصات مثل X وإنستغرام وReddit بمنشورات تحمل وسم #GhibliStyle، ليصبح التريند موضوعًا للنقاش بين مؤيديه ومنتقديه.
هاياو ميازاكي: فنان استثنائي ورائد التحريك التقليدي
من منا، أو من أبناء جيلي، لم يشاهد مسلسل ميراي شونِن كونان (未来少年コナン) أو كما عُرف عربيًا باسم عدنان ولينا؟ هذا المسلسل الياباني الشهير، الذي يحمل اسمه الرسمي في النسخة العربية مغامرات عدنان، كان أحد أعمال الطفولة التي تركت بصمة في وجداننا. كان يتألف من 26 حلقة وأنتجته نيبون أنيميشن، لكنه حمل بصمة فريدة لأن من أشرف على إخراجه هو هاياو ميازاكي بنفسه.
ميازاكي لم يكن مجرد مخرج رسوم متحركة، بل كان صانع عوالم، يمنح كل قصة سحرها الفريد وشخصياتها التي تبدو وكأنها تنبض بالحياة. بعد نجاح عدنان ولينا في العالم العربي، استمر ميازاكي في تقديم روائع سينمائية مثل جاري توتورو (1988)، الأميرة مونونوكي (1997)، والمخطوفة (2001). هذا الأخير حصد جائزة الأوسكار عام 2003، ليؤكد مكانته كواحد من أعظم مخرجي الأنمي في التاريخ.
ميازاكي والذكاء الاصطناعي: رفض قاطع!
لطالما كان ميازاكي ناقدًا شديدًا للتكنولوجيا التي تفقد الفن إنسانيته. ففي مقطع مصوّر من عام 2016، ظهر وهو يشاهد عرضًا توضيحيًا لنظام ذكاء اصطناعي ينتج حركات تشبه التحريك اليدوي، لكن ردة فعله كانت صارمة ومباشرة. حيث قال:
هذا التصريح يعكس إيمانه بأن الفن لا يمكن أن يُختزل في معادلات رياضية أو خوارزميات باردة، بل يجب أن يكون تعبيرًا صادقًا عن المشاعر والتجربة الإنسانية. لذا، عندما ظهرت موجة الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي بأسلوب غيبلي، اعتبرها كثيرون خيانة لمبادئ الاستوديو وإرث ميازاكي، الذي قضى عمره في رسم كل تفصيلة يدويًا، بجهد وتفانٍ لا يمكن تقليده رقميًا.
الغضب الفني وردود الفعل
مع انتشار هذه الظاهرة، لم يكن الفنانون وحدهم من انتقدوها، بل حتى الجمهور المخلص لأفلام غيبلي عبّر عن استيائه من استخدام الذكاء الاصطناعي لتقليد أسلوب الاستوديو. وبعد أن شارك سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـOpenAI، في التريند بنشر صورة على حسابه، واجهت الشركة انتقادات لاذعة، مما دفعها لاحقًا لتقليص إمكانية الوصول المجاني إلى الأداة.
كارلا أورتيز، الفنانة المعروفة، كانت من بين الأصوات المعارضة بقوة لهذه الموجة، مشيرةً إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكاة الأساليب الفنية دون إذن هو شكل من أشكال السرقة الثقافية، ويشكل تهديدًا لمستقبل الفن كصناعة قائمة على الإبداع البشري.كما أوضح بول تاسي في Forbes
، فإن هذا الأمر "مرعب إبداعيًا وأخلاقيًا"، فميازاكي كرس حياته لعقود من الإبداع والشغف ليبني عالمًا ساحرًا من الرسوم المتحركة، فقط ليجد فنه يُختزل في خوارزمية توليد تلقائي، دون إذنه أو حتى الإشارة إليه كمصدر إلهام.
الذكاء الاصطناعي والفن: نقاش مستمر
هذا الجدل ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير. فمع التطور المتسارع في الذكاء الاصطناعي، يتزايد التساؤل حول دوره في الفنون: هل هو أداة مساعدة تُثري الإبداع، أم وسيلة تهدد الفنانين وتسلبهم حقوقهم؟
بالنسبة لي، لا يمكنني أن أتخيل أن ما جعل عدنان ولينا أو المخطوفة أو حتى توتورو ساحرًا يمكن تكراره بواسطة خوارزمية. هذه الأعمال لم تكن مجرد رسوم متحركة، بل كانت تجارب، ذكريات، وأحاسيس متجسدة على الشاشة. ربما يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية، لكنه يفتقد إلى أهم عنصر في أي عمل فني عظيم: الروح البشرية.
وربما يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للخوارزميات أن تستبدل الشغف واللمسة الإنسانية التي تجعل الأعمال الفنية خالدة؟