الأيادي النظيفة: من إيطاليا إلى ليبيا – هل يظهر دي بيترو ليبي؟



في عام 1992، هزّت حملة "الأيادي النظيفة" إيطاليا وكشفت عن شبكة فساد واسعة امتدت عبر جميع مستويات السلطة. قاد هذه الحملة القاضي أنطونيو دي بيترو، الذي حقق شهرة واسعة واعتُبر بطلًا شعبيًا بعد أن اعتقل حوالي 5000 شخص، من بينهم 1000 من رجال الدولة، بما في ذلك سياسيون ووزراء ورجال أعمال وعسكريون. كانت الحملة بمثابة زلزال سياسي أدى إلى إسقاط الحكومة وهروب رئيس الوزراء بتينو كراكسي إلى تونس.


الإعلام والدعم الشعبي: عناصر النجاح

شخصيًا، ما زلت أتذكر كيف كانت وسائل الإعلام الإيطالية تغطي هذه الحملة بشكل مكثف. لعبت القنوات التلفزيونية والصحف دورًا حاسمًا في نشر الوعي لدى الجمهور حول حجم الفساد الذي كان مستشريًا في أروقة السلطة. هذا التغطية الإعلامية المستمرة ساهمت في تشكيل رأي عام داعم للقاضي دي بيترو، مما منحه قوة إضافية في مواجهة التهديدات والضغوط السياسية.

لقد أظهرت تلك الفترة مدى أهمية وجود إعلام حر وقضاء مستقل في محاربة الفساد. بدون هذا الدعم الشعبي والإعلامي، ربما لم تكن حملة "الأيادي النظيفة" لتحقق ذلك التأثير الهائل.

المشهد الليبي: تشابهات وتحديات

اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا، يتشابه المشهد في ليبيا مع ما كانت عليه إيطاليا في بداية التسعينيات. الفساد يتغلغل في جميع مفاصل الدولة، لكن الفارق الأبرز يكمن في ضعف القضاء الليبي والتدخلات السياسية التي تعيق أي محاولات جدية للمحاسبة.

لمحاربة الفساد في ليبيا، نحتاج إلى:

  • قضاء مستقل لا يخضع لأي ضغوط سياسية.
  • إرادة سياسية حقيقية تتبنى الشفافية والمحاسبة.
  • إعلام حر يكشف الحقائق دون رقابة أو تقييد.
  • حراك شعبي داعم يتبنى مطالب الإصلاح ومكافحة الفساد.

إيطاليا اليوم: نموذج آخر من العدالة

أظهرت إيطاليا مرة أخرى التزامها بمبدأ سيادة القانون، عندما فتح مكتب المدعي العام في روما تحقيقًا مع رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني واثنين من وزرائها بشأن ترحيل المسؤول الليبي أسامة نجيم، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية. التهم تشمل المساعدة في الجريمة والاختلاس.

هذا التحرك يعكس نزاهة القضاء الإيطالي واستقلاليته، حيث لا أحد فوق القانون، حتى لو كان في أعلى هرم السلطة.

هل يظهر "دي بيترو" ليبي؟

في ليبيا، ما زال السؤال مطروحًا: هل يمكن أن يظهر قاضٍ أو مسؤول ليبي يمتلك شجاعة أنطونيو دي بيترو ليقود معركة "الأيادي النظيفة" ضد الفساد؟

الإجابة تعتمد على مدى استعداد المجتمع الليبي لدعم إصلاحات جذرية وشخصيات شجاعة تضع الوطن فوق المصالح الشخصية. بدون هذا الدعم، سيظل الفساد حجر عثرة أمام أي محاولة لبناء دولة القانون والمؤسسات.

ختامًا: الأمل في التغيير

التجربة الإيطالية تُظهر أن محاربة الفساد ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة قوية وشجاعة في مواجهة المصاعب.

ربما تكون ليبيا اليوم بحاجة ماسة إلى دي بيترو ليبي، لكن الأهم هو وجود شعب يدعم التغيير ويطالب بالعدالة.


فهل يتحقق ذلك قريبًا؟

Clean Hands: From Italy to Libya – Will a Libyan Di Pietro Emerge? by Abdusalam Shlebak

Mani pulite: From Italy to Libya – Will a Libyan Di Pietro Emerge?

Read on Substack
أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال