الصحافة الرياضية تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل الوعي العام حول قضايا متنوعة، وفيما يتعلق بالرياضات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، فإن هذا الدور أصبح أكثر أهمية مع تطور التغطية الإعلامية للألعاب البارالمبية على مدار السنوات الأخيرة. في العالم العربي، رغم التحسينات الطفيفة في التغطية الرياضية للأشخاص ذوي الإعاقة، ما زال هناك نقص ملحوظ في التخصص والكفاءة في هذا المجال. في كثير من الأحيان، تركز التغطية الإعلامية على الإنجازات البارزة والقصص الإنسانية دون التعمق في التحديات اليومية التي يواجهها الرياضيون ذوو الإعاقة أو في أهمية هذه الرياضات في تغيير التصورات المجتمعية.
نقص التغطية المتخصصة في الإعلام العربي
بالرغم من أن الرياضات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة شهدت تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة، إلا أن الصحافة الرياضية في العالم العربي لا تزال تفتقر إلى التغطية المتخصصة والاحترافية. في العديد من الأحيان، يتم التعامل مع هذه الرياضات كحدث جانبي أو لاحق للألعاب الأولمبية، مما يعكس غياب الفهم العميق لأهمية هذه الرياضات في تعزيز الاندماج المجتمعي. يفتقر الإعلام العربي إلى الصحفيين المختصين في هذا المجال، وهو ما يؤثر على تقديم صورة دقيقة ومتوازنة عن الرياضيين من ذوي الإعاقة.
هناك أيضاً محاولة تُشكر عليها قناة النيل الرياضية من خلال برنامج "أبطال التحدي" الذي يقدمه سيد إيهاب حسنين، وهو بارالمبي قديم ورئيس الاتحاد العربي لرياضة الأشخاص ذوي الاعاقة. هذا البرنامج الذي يمتد لأكثر من عشر سنوات يمثل جهداً مهماً، لكنه يحتاج إلى تطوير وأداء أكثر مهنية لتقديم محتوى يناسب تطلعات الجمهور ويدعم الرياضات البارالمبية بشكل أوسع. بالرغم من النقص الواضح في بعض الجوانب، إلا أننا نتمنى لفريق هذا البرنامج الاستمرارية والنجاح في تحسين المحتوى بما يخدم الرياضيين ذوي الإعاقة.
أهمية وجود مختصين في الصحافة الرياضية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة
التغطية الإعلامية للأشخاص ذوي الإعاقة في الرياضة تتطلب مهارات ومعرفة خاصة بالتصنيفات الرياضية المعقدة. يجب أن يكون الصحفي المختص على دراية أيضًا بالتحديات اللوجستية والتقنية التي يواجهها الرياضيون ذوو الإعاقة، بالإضافة إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسية المرتبطة بهذه الرياضات. في العديد من الدول العربية، لا يُنظر إلى هذا المجال على أنه ذو أهمية كبيرة، مما يؤدي إلى غياب التدريب المتخصص وعدم القدرة على تلبية احتياجات الجمهور أو نقل الصورة الحقيقية للرياضيين ذوي الإعاقة.
تأثير التغطية الإعلامية على الوعي المجتمعي
ضعف التغطية الإعلامية المتخصصة يؤثر بشكل كبير على وعي المجتمع بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة. فقد أظهرت الدراسات أن زيادة الاهتمام الإعلامي بهذه الرياضات يمكن أن تسهم في تغيير النظرة المجتمعية نحو الإعاقة، وتعزيز الاندماج والقبول الاجتماعي. في هذا السياق، تُظهر التجارب الدولية في تغطية الألعاب البارالمبية كيف يمكن للإعلام أن يلعب دورًا في تغيير التصورات حول الإعاقة. فعلى سبيل المثال، قناة "شانل فور" البريطانية قد أحدثت نقلة نوعية في كيفية تغطية الألعاب البارالمبية، حيث قدمت تغطية شاملة وجعلت هذه الألعاب محورًا رئيسيًا في برامجها.
نماذج ناجحة من الصحافة الدولية
في السنوات الأخيرة، أصبحت الألعاب البارالمبية محط اهتمام عالمي بفضل التغطية الإعلامية المتميزة التي قدمتها بعض الشبكات الدولية. على سبيل المثال، في دورة الألعاب البارالمبية لندن 2012، قدمت "القناة الرابعة البريطانيةChannel 4" البريطانية تغطية ضخمة لهذه الألعاب، حيث بثت أكثر من 150 ساعة من البرامج المباشرة و350 ساعة إضافية عبر المنصات الرقمية. كان لهذه التغطية تأثير كبير على زيادة الوعي العام حول الألعاب البارالمبية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة المشاهدة بنسبة 141% مقارنة بدورة الألعاب البارالمبية في بكين 2008.
كانت "القناة الرابعة البريطانية Channel 4" أول من قدم حملة تسويقية كبيرة بعنوان "Meet the Superhumans"، التي ركزت على إنجازات الرياضيين البارالمبيين وجعلت هذه الألعاب محط اهتمام إعلامي. وقد كانت هذه الحملة نقطة تحول مهمة في تغطية رياضات ذوي الإعاقة على المستوى العالمي، وهو ما جعلها تحظى بمزيد من التقدير والإقبال.
مع دورة الألعاب البارالمبية في باريس 2024، تواصل الشبكات الإعلامية الكبرى مثل "فرانس تلفزيون" و"تلفزيون ايطالي راي" تعزيز اهتمامهم بتغطية هذه الألعاب. ففي باريس 2024، يتم بث جميع الرياضات الـ22 التي تقام في الألعاب عبر منصات متعددة، ما يعكس تطورًا كبيرًا في التغطية الإعلامية لهذه الألعاب. كما شهدت مبيعات التذاكر ارتفاعًا ملحوظًا، مما يدل على اهتمام أكبر من الجمهور بالحدث.
دعوة للتغيير: تعزيز التخصص في الصحافة الرياضية للأشخاص ذوي الإعاقة
من أجل تحسين التغطية الإعلامية لهذه الرياضات في العالم العربي، يجب اتخاذ خطوات جادة لتطوير الصحافة الرياضية المتخصصة. يمكن تحقيق ذلك من خلال إطلاق برامج تدريبية للصحفيين لتمكينهم من تغطية رياضات الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل احترافي. بالإضافة إلى ذلك، من المهم تعزيز التعاون الدولي للاستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال، وتقديم الدعم للأفراد والهيئات الإعلامية لتطوير مهاراتهم في هذا السياق.
إن التغطية الإعلامية للألعاب البارالمبية بشكل عام تُعتبر خطوة هامة نحو تغيير التصورات المجتمعية حول الإعاقة. الصحافة الرياضية التي تتخصص في هذا المجال ليس فقط تعزز من تقديم صورة دقيقة للرياضيين ذوي الإعاقة، بل تساهم أيضًا في تحسين الوعي المجتمعي وتشجيع دمجهم في المجتمع. ومن خلال الاستفادة من النماذج العالمية مثل تلك التي قدمتها "شانل فور" البريطانية، يمكن للإعلام العربي أن يخطو خطوات كبيرة نحو تحسين تغطيته لرياضات الأشخاص ذوي الإعاقة، وبالتالي تغيير التصورات العامة وتحقيق اندماج أكبر.