شهدت بنغلاديش في يونيو 2022 هطول أمطار تاريخية غير مسبوقة أثرت بشكل كارثي على أكثر من 7.2 مليون شخص، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. ورغم تدخل الأمم المتحدة للمساعدة في جهود الإغاثة الإنسانية وتصنيف الأشخاص ذوي الإعاقة كأولوية، إلا أن تقارير من كلية الحقوق بجامعة هارفارد كشفت عن وجود فجوات كبيرة في إيصال المساعدات إلى هذه الفئة. وأظهرت الدراسات أن آلاف الأشخاص ذوي الإعاقة، في بنغلاديش وفي أماكن أخرى حول العالم، لم يحصلوا على المساعدات الإنسانية التي يحتاجون إليها بشكل عاجل، والسبب الرئيسي هو عدم وجود خطط واستراتيجيات شاملة تأخذ احتياجاتهم بعين الاعتبار قبل وقوع الكوارث.
تأثير تغير المناخ على الأشخاص ذوي الإعاقة
يشير مايكل أشلي شتاين، أستاذ زائر في كلية الحقوق بجامعة هارفارد والمدير التنفيذي لمشروع كلية الحقوق بجامعة هارفارد حول الإعاقة، إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون تحديات مضاعفة بسبب تغير المناخ. فهم أكثر عرضة للتأثر بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وموجات الحرارة والحرائق بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى القصور في التخطيط لاستجابات شاملة.
على سبيل المثال:
في حالات الإجلاء الطارئة، قد يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة صعوبات هائلة في الوصول إلى مراكز الإيواء بسبب عدم تهيئة هذه المرافق لاستقبالهم.
عدم وجود وسائل نقل مناسبة يؤدي إلى ترك العديد من الأشخاص خلف الركب أثناء الإخلاء.
في أعقاب الكوارث، تشير الإحصاءات إلى أن 59% من الأشخاص الصم الذين يتم إجلاؤهم لا يعودون إلى منازلهم، بل يواجهون خطر العزلة أو حتى الإيداع القسري في مؤسسات.
الأشخاص ذوو الإعاقة النفسية والاجتماعية يواجهون معدلات وفاة أعلى بثلاثة أضعاف خلال موجات الحرارة مقارنةً بغيرهم.
الفجوة البحثية: الحاجة لإدماج الإعاقة في خطط المناخ
دعا شتاين وزملاؤه في مقال نشر في مجلة Nature العلماء إلى إدماج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم خطط التكيف مع تغير المناخ. وأكد أن هناك نقصًا كبيرًا في الأبحاث التي تتناول كيفية تأثر هذه الفئة تحديدًا بتغير المناخ وما هي التدخلات اللازمة لحمايتهم وضمان حقوقهم.
يوضح شتاين أن الأدوات والتقنيات التي يتم تطويرها لمواجهة تغير المناخ قد تزيد من التحديات للأشخاص ذوي الإعاقة إذا لم يتم تصميمها بطريقة شاملة. فعلى سبيل المثال، إضافة مسارات للدراجات الهوائية في بعض المدن تسبب في تقليص مساحات محطات الحافلات، ما جعلها غير مناسبة لاستخدام الكراسي المتحركة.
خطوات ضرورية لتحقيق العدالة المناخية لذوي الإعاقة
يؤكد شتاين على أن الوقت المتاح لاتخاذ خطوات حاسمة يضيق، وأن تحقيق العدالة المناخية للأشخاص ذوي الإعاقة يتطلب تحركًا منهجيًا عاجلًا يشمل:
إنتاج بيانات دقيقة وشاملة: يجب أن تتوفر معلومات موثوقة حول احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة لتطوير سياسات مناخية تلبي احتياجاتهم.
إشراك منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة: يجب أن يكون للأشخاص ذوي الإعاقة دور محوري في تصميم السياسات، بما في ذلك تمثيل جميع الفئات المختلفة للإعاقة (الجسدية، النفسية، البصرية، وغيرها).
التخطيط الشامل: إدراج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في كل خطوة من خطوات التكيف مع تغير المناخ، بما في ذلك تصميم الملاجئ، أنظمة الإنذار المبكر، ووسائل النقل.
تعزيز التعاون الدولي: يجب أن تعمل الحكومات مع الباحثين والمنظمات الدولية والمحلية لضمان تحقيق نتائج ملموسة.
دور القانون والمحامين في دعم القضية
يشير شتاين إلى أن المحامين لديهم دور حاسم في تحقيق العدالة المناخية للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال:
دعم حقوق الإنسان: تعزيز تطبيق اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان أن تكون السياسات المناخية متوافقة مع مبادئها.
الدعاوى الاستراتيجية: رفع قضايا قانونية للضغط على الحكومات التي تفشل في الوفاء بالتزاماتها المناخية وإهمال احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة.
تجارب ملهمة: أمثلة من الولايات المتحدة وسان فرانسيسكو
على الرغم من أن التحديات عالمية، إلا أن هناك نماذج إيجابية تُظهر إمكانية تحقيق التغيير.
في الولايات المتحدة، أصدر الرئيس بايدن أمرًا تنفيذيًا لإنشاء مجموعة عمل تركز على المخاطر المناخية التي تهدد الأطفال، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة. كما أن برنامج البنية التحتية للمركبات الكهربائية يشترط أن تكون محطات الشحن متوافقة مع قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة (ADA).
في سان فرانسيسكو، تضمنت خطط العمل المناخي مشاركة فعالة من منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة لضمان أن تكون السياسات شاملة ومناسبة للجميع.
الرؤية المستقبلية
يأمل شتاين وزملاؤه أن تسهم هذه الجهود في إنشاء مجال دراسي جديد يركز على العلاقة بين الإعاقة وتغير المناخ. ويؤكد أن الحلول الحقيقية تبدأ بإعطاء الأشخاص ذوي الإعاقة صوتًا محوريًا في عملية التخطيط وصنع القرار.
بإمكان العالم تجنب تكرار المآسي الإنسانية التي تطال الأشخاص ذوي الإعاقة عند وقوع الكوارث، ولكن هذا يتطلب تحركًا عاجلًا وشاملًا لضمان أن تكون العدالة المناخية شاملة للجميع.