النرجسية والوهم الرقمي: كيف ساهم الفيسبوك في تعزيز هذه الظواهر؟

 النرجسية والوهم الرقمي: كيف ساهم الفيسبوك في تعزيز هذه الظواهر؟

في عصرنا الحالي، أصبح الفيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث يتيح لنا عرض أنفسنا والتفاعل مع الآخرين بشكل مستمر. ومع ذلك، يحمل هذا الاستخدام وراءه العديد من المخاطر النفسية، أبرزها تعزيز النرجسية والوقوع في الوهم الرقمي. في هذا المقال، سنستعرض كيف يعزز الفيسبوك هذه الظواهر وكيف يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على حياتنا الاجتماعية والنفسية

فيسبوك يواصل كونه واحدًا من أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم، مع أكثر من 3 مليار مستخدم حتى نهاية 2023. رغم تفضيل الشباب لبعض المنصات الأخرى، إلا أن فيسبوك لا يزال يحظى بشعبية واسعة، خاصة بين الفئات العمرية الأصغر​


النرجسية في عالم "اللايكات"

الفيسبوك، مثل أي موقع تواصل اجتماعي آخر، أصبح منصة لعرض أنفسنا بأفضل صورة ممكنة. الصور الفوتوغرافية المثالية والمنشورات التي تتلقى "الإعجاب" جعلت من النرجسية جزءًا من حياتنا اليومية. أصبح العديد من الأشخاص يعتمدون على "اللايكات" والتعليقات كمؤشر لنجاحهم أو رضا الآخرين عنهم. الدراسات أظهرت أن التفاعل الرقمي على الفيسبوك يمكن أن يولد تحفيزًا نفسيًا مشابهًا لذلك الذي يشعر به الطفل عندما يبحث عن التأكيد من والديه (Kross, E., et al. (2018). Facebook Use Predicts Declines in Subjective Well-Being in Young Adults. PLOS ONE.). ولكن، بدلًا من الحصول على هذا التحفيز من الأهل أو الأصدقاء المقربين، يحصل الشخص عليه من الغرباء على الإنترنت، مما يعزز النرجسية ويجعل الفرد يسعى باستمرار وراء هذا التأكيد.

الوهم الرقمي: الفيسبوك كمرآة مشوهة

من خلال التصفح اليومي للمنشورات على الفيسبوك، يقع الكثيرون في وهم أن حياة الآخرين مثالية ومليئة بالمغامرات واللحظات السعيدة، بينما حياتهم الحقيقية قد تكون أقل إثارة. هذا الوهم يزداد مع نشر الأشخاص لحظاتهم السعيدة أو تجاربهم الفريدة بشكل متكرر، مما يؤدي إلى شعور المتابعين بالغيرة أو القلق عندما يقارنون حياتهم بتلك التي يرونها على الفيسبوك. الأبحاث أظهرت أن هذا التفاعل الرقمي المستمر يمكن أن يعزز مشاعر عدم الرضا والقلق بين الأفراد (Sagioglou, C., & Greitemeyer, T. (2014). Facebook’s emotional effects: Why Facebook causes a decrease in mood and why people still use it. Computers in Human Behavior.).


مخاطر نشر المعلومات الشخصية: التأثيرات السلبية على الأمان الشخصي

ومع تزايد الاستخدام المكثف للفيسبوك، يحرص الكثيرون على مشاركة لحظاتهم الشخصية وأحداثهم اليومية، ما قد يكون له تبعات أمنية خطيرة. وفقًا لتقرير صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، هناك العديد من المعلومات التي لا يجب مشاركتها على الفيسبوك أو أي من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل:

  1. جواز السفر أو رخصة القيادة: يعرض نشر هذه الوثائق للخطر نظرًا للانتشار الواسع لعمليات التزوير.
  2. خطط العطلة: قد تعطي هذه التفاصيل للصوص فرصة لمعرفة أن المنزل فارغ، مما يسهل عليهم تنفيذ السرقات.
  3. تفاصيل البطاقة البنكية: نشر هذه التفاصيل قد يعرض الشخص لسرقة أمواله بسهولة من قبل الهاكرز.
  4. تذاكر الفوز بجائزة: نشر تفاصيل تذاكر الجوائز قد يتسبب في سرقة الجائزة نفسها كما حدث مع السيدة شانتيل في أستراليا.
  5. صورك الحميمية الشخصية: حتى إذا كانت إعدادات الخصوصية قوية، يمكن أن تتعرض صورك للاختراق والظهور للجميع.

هذه المخاطر تدل على أن الفيسبوك قد يصبح منصة غير آمنة إذا لم يتم التعامل معها بحذر.

تأثير المجموعات والصفحات: فقاعة من التأكيدات الاجتماعية

تساهم مجموعات وصفحات الفيسبوك أيضًا في تعزيز النرجسية، حيث ينخرط الأفراد في دوائر مغلقة من التفاعلات الإيجابية المتواصلة. هذا يعزز لديهم شعورًا بضرورة تقديم أنفسهم بأفضل صورة، وأحيانًا بصورة متخيلة بعيدًا عن الواقع. هذا النوع من السلوك يعزز "سباق التألق"، حيث يحاول الجميع أن يظهر أفضل ما لديهم ليحصلوا على أكبر عدد من "اللايكات" والتعليقات. الدراسات أثبتت أن هذا النوع من التفاعل يساهم في زيادة النرجسية، حيث يسعى المستخدمون إلى الحصول على إعجابات من الآخرين كدليل على قيمتهم الاجتماعية

 (Mehdizadeh, S. (2010). Self-presentation 2.0: Narcissism and self-esteem on Facebook. CyberPsychology, Behavior, and Social Networking.).

التحليل النفسي: الخوارزميات وتعزيز الأوهام

تلعب الخوارزميات التي يستخدمها الفيسبوك دورًا كبيرًا في تعزيز هذه الأوهام. عندما تعرض الخوارزميات المحتوى بناءً على اهتماماتك وتفضيلاتك، فإنها تخلق فقاعة معلوماتية تظهر لك فقط الجوانب المثالية لحياة الآخرين. إذا كنت تتابع أشخاصًا ينشرون حياتهم المثالية، فإنك قد تبدأ في الإيمان بأن الحياة يجب أن تكون كذلك دائمًا، مما يعزز شعورك بالنقص عندما تقارن حياتك بهذه الصور المثالية. مع مرور الوقت، يبدأ الشخص في الشعور بضغط اجتماعي ليظهر بمستوى لا يقل عن هؤلاء الذين يتابعهم، مما يعزز النرجسية.

الفيسبوك كـ"تليسكوب للنرجسية"

يصف بعض الباحثين الفيسبوك كـ"تليسكوب للنرجسية"، حيث يسحبك إلى عوالم غير واقعية من المثالية. في البداية، قد تجد أن هذه الصور المثالية تجذبك وتود أن تظهر نفسك بنفس الطريقة، ولكن بعد فترة قد تجد نفسك عالقًا في "دوامة" من البحث المستمر عن التأكيد الذاتي والهروب من الواقع. هذا يعزز من السعي وراء الإعجابات والتفاعل الرقمي المستمر، مما يؤدي إلى زيادة الانعزال عن الواقع.

الفيسبوك ليس مجرد وسيلة للتواصل الاجتماعي، بل أصبح محركًا رئيسيًا للنرجسية والوهم الرقمي. من خلال التأثيرات النفسية التي يولدها "اللايكات" والتفاعل الرقمي المستمر، يعزز الفيسبوك الشعور بالنقص والغيرة، ويخلق صورًا مشوهة للحياة. كما أن مشاركة المعلومات الشخصية على هذه المنصة قد يعرض الأفراد لمخاطر أمنية جسيمة. فلنحرص على توخي الحذر عند استخدام هذه المنصة ونتجنب الانغماس في هذه الأنماط السلبية من السلوك الرقمي. يجب أن نتذكر أن الحياة الحقيقية لا تقاس بعدد "اللايكات" أو تعليقات الآخرين، بل بالقيم الإنسانية والتواصل الحقيقي.


أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال