نغمة الأمل: ذكريات موسيقية من مركز تأهيل وإعادة تأهيل المعاقين في جنزور



ذكريات من مركز تأهيل وإعادة تأهيل المعاقين في جنزور

يقع مركز تأهيل وإعادة تأهيل المعاقين في جنزور، غرب العاصمة الليبية طرابلس، على مساحة تمتد لحوالي 10 هكتارات في منطقة ريفية هادئة. إن بيئة المركز المميزة، بهوائها النقي ومياهها العذبة، جعلته مكاناً مثالياً لتقديم خدمات إعادة التأهيل. أُسس المركز في 27 أغسطس 1983، في إطار التزام الدولة الليبية برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، استناداً إلى قانون الضمان الاجتماعي رقم (13) لسنة 1980 وقانون رقم (3) لسنة 1981 الخاص بالمعاقين.



أهداف المركز والخدمات المقدمة

يهدف المركز إلى تقديم برامج شاملة تشمل التأهيل الجسدي والنفسي والاجتماعي للأشخاص ذوي الإعاقة، مما يساعدهم على الاندماج في المجتمع وتحقيق الاستقلالية. تشمل الخدمات المقدمة العلاج الطبيعي، التأهيل المهني، والدعم النفسي والاجتماعي. تهدف هذه البرامج إلى تمكين الأفراد ذوي الإعاقة من تجاوز التحديات التي تواجههم وتعزيز قدراتهم في الحياة اليومية.

ذكريات الإقامة في الثمانينيات

عندما أنظر إلى الماضي، تتبادر إلى ذهني ذكرياتي عن إقامتي الأولى في هذا المركز خلال فترة الثمانينيات. كانت تلك الفترة تمثل مرحلة مهمة في تاريخ ليبيا، حيث كانت الحكومة تسعى جاهدة لتقديم الرعاية والدعم للأشخاص ذوي الإعاقة. في ذلك الوقت، كان المركز يمثل الأمل للكثيرين، بما فيهم أنا. شعرت هناك بالدعم والاهتمام الذي قدمه العاملون في المركز، الذين كانوا يسعون إلى تحسين نوعية حياتنا.

أتذكر أننا كنا نتعلم الموسيقى، وكنا نعزف في فرقة موسيقية صغيرة، حيث عزفنا في أحد افتتاحيات المعرض الدولي في طرابلس تقريباً في شهر فبراير 1986. كان لدي شغف بتعلم العزف على آلة الأورغ، وأستطيع أن أتذكر جيداً أستاذنا المصري، سيد نبيل، الذي كان يعلم بمهنية عالية رغم تنوع إعاقاتنا. ومن بين أفراد الفرقة، كان المرحوم مصطفى فرحات، لاعب منتخب كرة السلة على الكراسي، والذي كان يعزف آلة قيثارة. كذلك كان هناك عازف آخر، إسماعيل شنشونة، الذي كان أيضًا لاعب منتخب ليبيا في كرة السلة على الكراسي. أذكر جيداً نوع الأورغ الذي كنا نستخدمه، وهو "فارفيسا" (Farfisa)، والذي أضفى على موسيقانا روحاً مميزة. لقد عزفنا أغنية وطنية مشهورة اسمها "بلدي بلدي" للفنان عز الدين محمد، وكانت أغنية جميلة و سهل عزفها . 👇

زيارة تاريخية

إحدى اللحظات البارزة في تلك الفترة كانت زيارة السيد خافيير بيريز دي كوييار، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، للمركز في عام 1984. كانت تلك الزيارة تتويجاً للجهود المبذولة لتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد أضفت بعداً دولياً لأهمية هذه المنشأة.


ليلة لا تُنسى: 14 أبريل 1986الغارة الأمريكية

لكن ليست كل الذكريات كانت سعيدة. في ليلة 14 أبريل 1986، عشت تجربة مرعبة في المركز. كنت في الخامسة عشرة من عمري، وكانت الأحداث تتسارع بشكل غير متوقع. بينما كنا نعد أنفسنا للنوم، سُمعت أصوات الانفجارات التي هزت الأرض من حولنا. كانت طائرات حربية تحلق في السماء، وفجأة، استهدفت الصواريخ مناطق في ليبيا في عملية سميت عملية الدورادو Operation El Dorado Canyon، عبر عمليات جوية مشتركة بين القوات الجوية والبحرية وقوات المارينز الأمريكية. تلك اللحظات كانت مثل مشهد من فيلم رعب، حيث ساد الذعر والخوف بين جميع النزلاء. بعد حوالي ساعة واحدة من منتصف الليل، خرجونا من المركز لضمان سلامتنا، حيث كان هناك هدف عسكري قريب من المركز حسب ما أتذكر. أستطيع أن أقول إن تلك الليلة لا تزال محفورة في ذاكرتي، حيث شهدت تأثيرات الحرب على حياتنا، ووضعتني في مواجهة حقيقية مع مخاوف المستقبل.


انا شاهد عن تلك اليلة كنت نزيل في مركز تأهيل وإعادة تأهيل #ذوي_الإعاقة / #جنزور كان عمري 15 ليلة كانت مرعبة تخايلو كل نزلة خارج المركز ساعة 1 am زي ما قال في فيديو كانت في اعاقات صعبة باليبي شنك ليلة لاتنسى من ذاكرتي ليلة 14 ابريل 1986 قصف #الولايات_المتحدة #ليبيا pic.twitter.com/XIO0751rLE

— Abdusalam Shlebak♿️Absi (@absily) November 22, 2018


العودة للمركز بين عامي 2005 و2006

مرت سنوات، وفي الفترة بين عامي 2005 و2006، عدت إلى المركز. كانت العودة تحمل في طياتها مشاعر مختلطة، بين الحنين والقلق. عندما وصلت، وجدت بعض التحسينات التي طرأت على المركز، لكنني شعرت أيضاً أن هناك حاجة ملحة لتحديث الخدمات والمرافق. كان يبدو أن المركز ما زال بحاجة إلى الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة التي ظهرت في العالم. مراكز التأهيل في أوروبا، مثل مراكز هايدلبرغ في ألمانيا التي تستخدم تقنيات الروبوتات في العلاج، ومركز كارولينسكا في السويد الذي يعتمد على استراتيجيات شاملة تجمع بين مختلف التخصصات الطبية، تقدم نموذجاً يحتذى به.

2005 في مركز تأهيل وإعادة تأهيل المعاقين في جنزور

التحديات والفرص

رغم الجهود المبذولة في مركز جنزور، كانت الفجوة واضحة عند مقارنة المركز بالمراكز الأوروبية المتقدمة. كان هناك نقص في تكنولوجيا المعدات الحديثة، وتوافر الكوادر المتخصصة، والبرامج البحثية التي تُستثمر في تطوير أساليب العلاج. بينما توفر المراكز في ألمانيا والسويد خدمات شاملة ومتقدمة، يحتاج مركز جنزور إلى الاستفادة من تجارب هذه الدول لتقديم مستوى مماثل من الرعاية.

يمثل مركز جنزور خطوة مهمة في تاريخ رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا. فهو ليس مجرد مكان لتقديم العلاج، بل هو مركز للانتماء والدعم المجتمعي. إن ذكرياتي هناك، من اللحظات الجميلة إلى التجارب الصعبة، تشهد على أهمية تحديث وتطوير المركز ليواكب المعايير الدولية. على الرغم من كل التحديات، فإنني أؤمن بأن هناك فرصة حقيقية للتطوير، من خلال الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة واستلهام استراتيجيات شاملة تشمل التكنولوجيا، والبنية التحتية، والتعاون الدولي. من المهم أن نضمن تقديم أفضل الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة، وأن نسهم في خلق بيئة تمكنهم من تحقيق استقلاليتهم واندماجهم في المجتمع.


أحدث أقدم

 

نموذج الاتصال