شهدت القمة العالمية للإعاقة لعام 2025 (Global Disability Summit - GDS2025) إطلاق تقرير بالغ الأهمية بعنوان:
"تقرير الإدماج: تسريع إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في عالم متغيّر ومتنوّع"
والذي يأتي في وقت يشهد فيه العالم أزمات متشابكة ومعقّدة تُلقي بظلالها على الفئات الأكثر تهميشًا، وفي مقدمتهم الأشخاص ذوو الإعاقة.
التحولات الكبرى وآثارها على الإدماج
يتناول التقرير، الصادر بالشراكة بين منظمة اليونيسف وعدد من المؤسسات الدولية، كيف تؤثر التحولات العميقة التي يشهدها العالم—مثل التغير المناخي، الثورة الرقمية، الأزمات الاقتصادية، والنزاعات—على الفرص والتحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة.
ففي عالم يشهد تغيرًا سريعًا، تتعاظم التحديات المتعلقة بإمكانية الوصول، التمييز في سوق العمل، وصعوبة الحصول على التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية. وفي الوقت ذاته، تتزايد الحاجة إلى تطوير نماذج جديدة للإدماج تراعي هذا التنوع وتتماشى مع الواقع الجديد.
فجوات صارخة في سوق العمل: الواقع بالأرقام
من أبرز ما كشفه التقرير هو استمرار الفجوة الحادة في فرص العمل بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم. وعلى الرغم من تسجيل تحسّن طفيف في بعض البلدان خلال السنوات الماضية، فإن الواقع العالمي لا يزال مقلقًا:
-
عبر 90 دولة شملها التقرير، يبلغ معدل التوظيف بين الأشخاص ذوي الإعاقة حوالي 27%، مقابل 56% لغير ذوي الإعاقة.
-
في المتوسط، يكون الأشخاص ذوو الإعاقة أقل احتمالًا بمقدار النصف في أن يكونوا ضمن القوى العاملة.
هذه الأرقام تعني أن ملايين الأشخاص ذوي الإعاقة يُقصَون بشكل غير مباشر من المساهمة الاقتصادية والاعتماد على الذات، مما يزيد من نسب الفقر والتهميش، ويعمّق من الإقصاء الاجتماعي.
التحديات لا تتوقف عند الأرقام
لا تتعلق المشكلة فقط بنسب التوظيف، بل تتعداها إلى طبيعة بيئات العمل، وهيمنة التمييز المبني على الوصم أو ضعف الثقة بقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة. كما يشير التقرير إلى أن بيئات العمل والخدمات العامة والخاصة لا تزال بعيدة عن أن تكون شاملة، إذ تواجه نسبة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة:
-
حواجز معمارية تمنعهم من الوصول إلى أماكن العمل أو المرافق العامة.
نقص الترتيبات التيسيرية، مثل المساعدين الشخصيين، وتكنولوجيا الدعم.
-
غياب المواد المتاحة بصيغ يسهل فهمها (لغة مبسطة، إشارات، برايل، إلخ).
-
تمييز غير مباشر في إجراءات التوظيف أو الترقية.
توصيات محورية لأرباب العمل ومزودي الخدمات
يسلط التقرير الضوء على مجموعة من التوصيات العملية التي يجب أن تتبناها الشركات، المؤسسات، والحكومات لتحقيق تحول حقيقي نحو الإدماج:
1. إزالة الحواجز البنيوية
- ضمان التصميم الشامل في أماكن العمل، المدارس، والمنشآت العامة.
- تعديل المنتجات والخدمات لتكون متاحة للجميع دون الحاجة لتعديلات لاحقة.
- معالجة العوائق المعلوماتية واللغوية التي تحد من التواصل.
2. توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة
-
مثل ساعات العمل المرنة، العمل عن بُعد، الأجهزة المساعدة، أو تخصيص مترجمي لغة إشارة.
-
يجب ألا تُعتبر هذه الترتيبات "تفضيلات خاصة"، بل جزءًا من حقوق العمل الأساسية.
3. الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا
- تشجيع تطوير حلول ذكية تساهم في تسهيل الوصول والتواصل (مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم ذوي الإعاقات البصرية أو السمعية).
- دعم ريادة الأعمال بين الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم.
4. إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في صنع القرار
-
تطبيق مبدأ "لا شيء عنا بدوننا"، عبر إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في تصميم السياسات، البرامج، والمشاريع التي تمس حياتهم.
لماذا يُعد الإدماج أولوية تنموية؟
يشدد التقرير على أن تحقيق الإدماج الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة ليس فقط التزامًا حقوقيًا، بل هو رافعة تنموية:
-
كل دولار يُستثمر في الوصول يُولّد عائدًا أعلى من خلال مشاركة فاعلة في الاقتصاد.
-
التنوع في أماكن العمل يعزز الإبداع والابتكار.
-
المجتمعات الشاملة أكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات.
أمثلة واعدة... ولكنها محدودة
تضمن التقرير أيضًا نماذج لبعض الممارسات الجيدة، حيث نجحت بعض البلدان في اعتماد سياسات إيجابية، مثل:
-
إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في برامج التدريب المهني.
-
تفعيل نسب التوظيف الإلزامية في القطاعين العام والخاص.
-
توفير حوافز ضريبية للمؤسسات التي توظف أشخاصًا ذوي إعاقة.
لكن هذه النماذج لا تزال معزولة وغير معمّمة عالميًا، مما يستدعي الحاجة إلى تبنّي هذه التجارب على نطاق أوسع، وتكييفها حسب السياقات المحلية.
في الختام: نحو تحرّك عالمي شامل
توقيت إصدار هذا التقرير لا يأتي من فراغ، بل يمثل دعوة صريحة إلى الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني للتحرك بشكل فوري:
"نحتاج إلى تغيير طريقة تفكيرنا، وتصميم سياساتنا، وتقديم خدماتنا... من أجل مستقبل لا يُقصى فيه أحد"، كما ورد في ديباجة التقرير.
وفي الطريق نحو القمة العالمية للإعاقة 2025، هناك فرصة حقيقية لإعادة رسم مسار السياسات الدولية، وتأكيد الالتزام بمبدأ المساواة والعدالة لجميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن قدراتهم الجسدية أو العقلية.التقرير كامل👇