ِ
التعليم هو الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها الأمم وتحقق من خلالها نهضتها الحضارية. في هذا الإطار، يعتبر التعليم الدامج قضية محورية في ليبيا، خاصة مع التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في الحصول على حقهم الأساسي في التعليم. على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الطموحات والواقع.
وفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة الصباح، فإن تحقيق تعليم شامل للأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا يتطلب جهودًا منسقة بين الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية، إلى جانب تخصيص ميزانيات كافية لتطوير البنية التحتية واستخدام التكنولوجيا المساعدة.
التعليم الدامج: رؤية شاملة واحتياجات ملحة
يشير الناشط الحقوقي عبدالله محمد الفاخري إلى أن تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة يحتاج إلى بيئة شاملة تراعي احتياجاتهم الفردية. يتطلب هذا توفير مناهج تعليمية مرنة ووسائل متخصصة، بالإضافة إلى تدريب المعلمين على التعامل مع مختلف أنواع الإعاقة.
أكد الفاخري على أهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل الأجهزة اللوحية والبرامج المخصصة، لدعم العملية التعليمية وضمان تجربة تعلم متكاملة. كما شدد على دور الأهالي في زيادة وعيهم وإشراكهم في العملية التعليمية لأبنائهم، سواء داخل المدرسة أو خارجها.
واقترح مقاربة شاملة تشمل:
إجراء دراسات ميدانية لتحديد احتياجات الطلاب ذوي الإعاقة.
تطوير برامج تدريبية للمعلمين لتعزيز مهاراتهم في التعامل مع هذه الفئة.
توفير تجهيزات تعليمية ملائمة، بما في ذلك التكنولوجيا المساعدة.
إقرار سياسات وتشريعات ملزمة لدعم التعليم الدامج وضمان تطبيقه.
التعليم العالي: طموحات تصطدم بالواقع
في قطاع التعليم العالي، تشير زهرة دغمان، مديرة إدارة التعليم واندماج الفئات الخاصة بوزارة التعليم العالي، إلى أن الوزارة تُشرف على 27 جامعة، تضم ما بين 300 إلى 400 طالب من ذوي الإعاقة، وفقًا لإحصائيات عام 2023.
ومع ذلك، يواجه الطلاب ذوو الإعاقة تحديات كبيرة، أبرزها:
عدم تهيئة الجامعات لاستقبالهم.
نقص الوسائل التعليمية الملائمة، مثل المناهج المطورة بلغة برايل.
قلة أعضاء هيئة التدريس المتخصصين في تعليم فئات مثل الصم والبكم.
أوضحت دغمان أن الوزارة تعمل على تنفيذ خطط لتحسين التعليم العالي، تشمل إنشاء كليات وأقسام متخصصة لتخريج معلمين مؤهلين للعمل مع ذوي الإعاقة. كما أشارت إلى تنفيذ قرار "التصميم الشامل"، الذي يهدف إلى تيسير وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى المؤسسات التعليمية بالتعاون مع وزارات أخرى مثل الشؤون الاجتماعية والتعليم العام.
بالإضافة إلى ذلك، تم ترشيح 55 طالبًا من فئة الصم والبكم لإيفادهم إلى الخارج بهدف إتاحة فرص تعليمية متقدمة.
تعليم المكفوفين: تحديات الهيكلة والإشراف
من جانبه، دعا عبدالباسط العقوري، رئيس المنظمة الليبية لذوي الإعاقة البصرية، إلى نقل الإشراف على تعليم المكفوفين تدريجيًا إلى الحكومة، بالتعاون مع جمعيات مثل جمعية الكفيف ببنغازي وجمعية النور بطرابلس.
أشار العقوري إلى أن المكفوفين يواجهون صعوبات متعددة في العملية التعليمية، أبرزها غياب المناهج المكيّفة التي تلبي احتياجاتهم، بالإضافة إلى إعفاءات غير مبررة لبعض المواد الدراسية. وأكد على أهمية إشراك خبراء ومختصين في وضع خطط تطويرية لهذه الفئة.
التعليم العام: نقص الإمكانيات والتجهيزات
فيما يخص التعليم العام، أوضح مفتاح الدريجي، مدير إدارة تعليم الفئات الخاصة بوزارة التربية والتعليم، أن عدد الطلاب ذوي الإعاقة يتراوح بين 4864 طالبًا موزعين على 1775 مدرسة، منها 50 مدرسة فقط مجهزة بغرف تعليمية ومرافق مهيأة.
ورغم توفر الكتب المدرسية للمكفوفين بطريقة برايل، تواجه الإدارة تحديات كبيرة، منها:
غياب ميزانية مخصصة لدعم الفئات الخاصة.
نقص الحوافز المادية للمعلمين العاملين مع هذه الفئة.
عدم وجود أدوات تقييم كافية لمكاتب الفئات الخاصة بالمراقبات التعليمية.
نحو مستقبل أكثر شمولية
تحقيق تعليم دامج للأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا يتطلب جهودًا شاملة ومتكاملة من جميع الأطراف. من الضروري تخصيص ميزانيات كافية لتطوير البنية التحتية واستخدام التكنولوجيا الحديثة، إلى جانب تدريب الكوادر التعليمية وتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية.
بهذه الخطوات، يمكن تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص وضمان مشاركة فعّالة للأشخاص ذوي الإعاقة في بناء مستقبلهم ومجتمعهم.
المصدر: جريدة الصباح، العدد 882، الخميس 26 جمادى الأولى 1446، الموافق 28 نوفمبر 2024.