ماهر الشاعري
في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والتحديات الكبيرة التي تمر بها ليبيا، تعاني فئة ذوي الإعاقة بشكل خاص من نقص في الخدمات وضعف كبير في الدعم الحكومي لأصحاب لهذه الفئة، التي تشكل شريحة كبيرة في المجتمع الليبي.
يعاني ذوو الإعاقة في ليبيا من غياب التأمين الصحي والإعانات المنزلية، التي تساعدهم على توفير متطلباتهم، حكايات كثيرة يرويها ذوو الإعاقة في ليبيا.
حاورنا في "سبوتنيك" المدون والناشط في حقوق ذوي الإعاقة، عبد السلام مصطفى شليبك، الذي سرد لنا حكاية الألم لفئة مهمشة في ليبيا.
ولد شليبك، في 23 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1971، بضاحية جنزور بطرابلس، في عائلة تتكون من أربع بنات وستة أولاد، قضى معظم طفولته في رحلة العلاج بسبب الإعاقة التي عانى منها بسبب حمى أصابته في الأشهر الأولى من ولادته نتج عنها مرض شلل الأطفال، انعطفت حياته منذ بدياتها ليبدأ رحلة تحد كبيرة واجه فيها الكثير من الصعوبات، التي أثرت على سير حياته بشكل كبير.
سافر طفلا في سن 5 أعوام، ليبدأ رحلة علاج في دولة صربيا، ليستمر في رحلته لمدة ستة أعوام، عاد إلى ليبيا في عام 1983، مكث فيها عاما كاملا، ليستأنف بعد ذلك رحلة علاج أخرى، حيث سافر إلى النمسا، التي مكث فيها ستة أشهر تقريبا.
عانى من صعوبة كبيرة في الاندماج في المجتمع الليبي، كما واجه صعوبة في الحصول على التعليم بسبب غياب البنية التحتية المناسبة لهذه الفئة، ومن هنا قرر البدء في تحد من نوع خاص وهو آلية تلقي التعليم، حيث كان يعتمد بشكل كبير على التعليم عن طريق التلفزيون ليجيد بذلك اللغة العربية نطقا في سن الـ15 ربيعا، أما الكتابة فكانت الإعاقة حاجزا أمام ذلك.
قال شليبك بأنه يجيد استخدام الكمبيوتر بمهارة عالية، بالإضافة إلى أعمال المونتاج والغرافيك وتصميم المواقع الإلكترونية، بمهارات شخصية بعيدا عن أي دراسة في هذه التخصصات.
رحلة عمل وكفاح
وأصبح شليبك مدونا، منذ عام 2008، وأسس مدونة خاصة به، في عام 2009، وصمم أول موقع إلكتروني في 2004، ومنها انطلق في رحلته مع المهارات الشخصية التي فتحت له آفاقا كبيرة وكثيرة. انضم في عام 2008، إلى اللجنة البارالمبية الليبية، والأولمبياد الخاص الليبي، كمصمم مواقع إلكترونية ومديرا لمواقع التواصل الاجتماعي لهذه اللجان، أسس لهم الصفحات الرسمية في عام 2009، وبدأ العمل الحكومي في هيئة التضامن في عام 2009، كمؤسس صفحات السوشال ميديا و مشرف الموقع الإلكتروني لهم. مارس العمل عن بعد من منزله ويعتبر من أوائل من استخدم أسلوب العمل من بيته بسبب إعاقته، التي لا يستطيع من خلالها التنقل والحركة، وكان يعمل بكل جدارة وكفاءة.
حظى شليبك بدعم كبير من عائلته وجيرانه، كما أشار إلى أن التكنولوجيا كانت من أبرز الأسباب التي تحدى بها إعاقته، بالإضافة إلى تقنية معينة على العمل، أي أنه فرض نفسه على الدولة بسبب بمهاراته التي يتمتع بها، وقال بأن هناك فئة كبيرة من ذوي الإعاقة يعانون من التهميش بسبب ظروفهم الخاصة.
وأوضح بأن "مسؤولي الدولة الليبية وأصحاب النفوذ غير مدركين لمشاكل الأفراد ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى التحديات التي يمرون بها".
شارك شليبك في العديد من المؤتمرات وورش العمل الدولية في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي كان سببا في تطوير مهاراته في هذا المجال، فلقد تميز بمشاركته في ملتقى "المنال" للإعاقة والإعلام الاجتماعي في الإمارات العربية المتحدة، في 2012، والملتقى المغاربي حول مشروع القيادة للأشخاص ذوي الإعاقة بتونس، في عام 2014، وغيرها من المشاركات المحلية والدولية.
حق العمل
يقول شليبك إن "تجاهل حقوق الإنسان تمييز غير قانوني ضد ذوي الإعاقة في ساحات العمل في القطاعات الحكومية في ليبيا، على الرغم من أن المجتمع يسعى إلى تحقيق المساواة والعدالة لجميع أفراده بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يشكلون جزءا هاما في ليبيا، ومع ذلك توجد تحديات تواجه أصحاب هذه الفئة في بيئة العمل في القطاع الحكومي".
وأوضح بأن "القوانين الليبية تشير وبشكل واضح إلى ضرورة توفير فرص متساوية للجميع في مجال العمل بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة، ومع كل ذلك يظهر تمييز سلبي واضح تجاه هؤلاء الأفراد في بعض القطاعات الحكومية، مما يعرقل حقوقهم ويقلل من إمكانيتهم في الحصول على فرص متساوية للنجاح المهني".
وشدد شليبك على ضرورة ضمان تنفيذ سياسات تشجع على التوظيف المتساوي وتوفير بيئة عمل تتسم بالشمولية، وضمان توفير التكنولوجيا والتسهيلات التي تمكن ذوي الإعاقة من أداء واجباتهم بكفاءة، وضرورة مراجعة السياسات الحكومية لضمان تكامل حقوق ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة المهنية.
وتابع، قائلا: "هناك تحديات كبيرة يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة تتمثل في الخدمات الصحية والتعليمية والاهتمام ببرامج التأهيل والتدريب، بالإضافة إلى غياب الدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى الوصم والتمييز الذي يعاني منه الكثير من ذوي الإعاقة، الأمر الذي يؤثر على حياتهم بشكل عام".
واعتبر أن "القوانين الحالية هي قوانين قديمة وغير ملائمة وتعتبر من أبرز التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوي الإعاقة"، وأضاف: "القوانين قديمة لا تتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها ليبيا، منها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والبنية التحتية في ليبيا مثل المباني العامة والشوارع الغير مهيأة والتنقل في الأماكن العامة، والمرتبات الضئيلة التي يتحصل عليها ذوي الإعاقة (والتي وصفها بأنها لا تغطي احتياجاتهم الأساسية)، والخدمات الضعيفة التي لا تلبي احتياجاتهم المتنوعة".
تعديل القوانين
طالب شليبك بضرورة تعديل القوانين، التي اعتبرها "همشت الأشخاص ذوي الإعاقة"، وذلك من أجل ضمان حقوق هذه الفئة المهمشة وتحسين حياتهم.
وأردف، قائلا: "يجب على مجلس النواب الليبي أن يبادر في تعديل قوانين الأشخاص ذوي الإعاقة في أسرع وقت ممكن، وعلى الحكومة أن تضع خطة شاملة لتعديل هذه القوانين بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية، وذلك لكي تلبي احتياجات هذه الفئة، كما طالب الحكومة بضرورة مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في تعديل هذه القوانين من خلال لجان تضم ممثلين عن هذه الفئة".
ويأمل شليبك في أن "تكون سنة 2024، سنة ترتفع فيها معايير الدعم والفرص وتحسن كبير في جودة حياتهم ومشاركتهم الفعالة في المجتمع".
ويضيف بأن "هناك مسؤولية كاملة في النخبة التي لا تعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن الدولة الليبية قصرت في توفير حقوق ذوي الإعاقة، ولم تقدم لهم الخدمات والدعم اللازم، ولم تلتزم بالقوانين بالشكل المطلوب في تنفيذها، بالإضافة إلى عدم التزامها باتفاقيات حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة".
وأوضح بأن "هناك العديد من التحديات التي تواجه ذوي الإعاقة في ليبيا، ولكن هناك جهود بسيطة متزايدة لتحسين حياتهم"، كما دعا شليبك في نهاية حديثه الدولة والمجتمع إلى ضرورة الاهتمام أكثر بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتوفير الخدمات والدعم اللازم لهم، حتى يتمكنوا من العيش حياة كريمة، بحسب قوله.
ضمانات دستورية
وفي ذات السياق، قالت الدكتورة ابتسام ابحيح، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي الجديد: "ضمنت المادة 60 في مشروع الدستور الجديد، والتي تناولت كل تفاصيل هذه الشريحة، التزام الدولة التزاما تاما حيالهم، وذلك في كل المجالات الاجتماعية والسياسية والصحية والرياضية وغيرها من الحقوق".
وأكدت بأن "اللجنة وضعت عبارة غيرها لتكون صلاحية المادة قابلة لأي حق لم يذكر، على أن تكون الحقوق على قدر من مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وتهيئة البيئة الطبيعية لهم والحرص على دمجهم في المجتمع ومؤسسات الدولة".
ومضت، قائلة: "على الرغم من إيجابية هذه المادة إلا أن أصحاب هذه الفئة كان لديهم مطلب رئيسي من الهيئة وهو تشكيل هيئة دستورية مستقلة تتكفل بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك حتى لا تكون حقوقهم مبعثرة بدواعي أن ليس لديهم جهة واحدة تهتم بكل متطلباتهم، وهذا الطلب رفض بشكل تام من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور".
- تأسست سبوتنيك في 10 نوفمبر 2014 بموجب مرسوم رئاسي من قبل رئيس روسيا الاتحادية.
- تُعد سبوتنيك وكالة أنباء عالمية متعددة اللغات تهدف إلى تقديم محتوى إخباري وتحليلي من منظور عالمي متعدد الأقطاب.
- تُقدم سبوتنيك محتوى إخباري وتحليلي من مختلف أنحاء العالم، مع التركيز على وجهات نظر بديلة.
- تُعتبر سبوتنيك وكالة مستقلة ذات تمويل ذاتي، بينما تمتلك الحكومة الروسية حصة مسيطرة في وكالة روسيا سيفودنيا.