إعاقة عبير لم تمنعها من صعود المسرح



تقف أمام مرآة غرفتها لتعيش ضمن فريق مشهد درامي، لتؤدي أدوارًا كانت تحب تقمصها وتعجبها في أثناء مشاهدتها التلفاز، ولا يفوتها شيء: الصوت، والحركات، والتعبيرات، والملامح، ويُخيل لها طلب المخرج والمصور منها إعادة المشهد حال أخطأت حتى تتقنه، ولم تلق بالًا لضحكات إخوتها، تستبدل بحركات ساقيها حركات لليدين والأصابع، بسبب الإعاقة التي لازمتها منذ ولادتها. ولدى عبير موهبة في كتابة الشعر والنصوص والأدوار المسرحية والتمثيل، منذ المرحلة الابتدائية، وكانت تعرضها على مديرة المدرسة لتنفيذها على الإذاعة المدرسية، فكان ذلك حافزًا قويًّا لتنمية موهبتها.

  الشابة عبير الهركلي (25 عامًا) خريجة علاقات عامة وإعلام، من سكان مدينة غزة، عانت منذ ولادتها شللًا في أطرافها السفلية، ولكنها لم تستسلم لحالتها، بل كان لها قلبٌ ينبض بالحياة والمواهب، فمارست عدة رياضات، منها كرة السلة، والكاراتيه، وتنس الطاولة، ودخلت بطولات، وعشقت المسرح حتى تمكنت من الصعود على خشبته بكرسيها المتحرك لتمارس أدوارًا فيه.

 وقالت: "لمديرة مدرستي فضل كبير في تعليمي معنى الجرأة والإبداع، وتحفيزي على الاستمرار، فكانت لا تفرق بين ذوي الإعاقة والسليمين، وذلك لم يعطني مجالًا للتقوقع على ذاتي بسبب وضعي الصحي الخاص، حتى في كتابة النصوص المسرحية والمشاهد، التي كنت أقدمها متنوعة، منها التربوي والوطني، وكنت على ذلك ألقى التشجيع من المديرة والمدرسات ومن صديقاتي". 

فهي كأي فتاة لها أحلام وطموحات، ولكن الذي يختلف عن غيرها أنها فتاة يحرمها المجتمع حقوقها لكونها من ذوي الإعاقة، مع أنها تمتلك موهبة التمثيل، وكتابة وإلقاء الشعر، وكتابة القصص القصيرة، والدبكة على الكرسي المتحرك، أيضًا هي لاعبة كرة سلة وتنس طاولة، ولاعبة كاراتيه.

جرأة في الأداء

 أما المسرح فهو موهبة الطفولة التي اكتشفتها في المرحلة الابتدائية في أداء عرض في يوم المعاق العالمي، وأضافت الهركلي: "كان أثرها أني أول طفل من ذوي الإعاقة يقف على خشبة المسرح، إذ وقفت على المسرح وكنت أؤدي أدوارًا تحاكي قضية ذوي الإعاقة بكل جرأة".


 وأوضحت أنها طورت موهبتها بالمشاركة في الكثير من الأعمال المسرحية التي تخص واقع ذوي الإعاقة، والمشاركة في الإذاعة المدرسية، مشيرة إلى أن موهبتها في الكتابة كان لها أثر في كتابة نصوص مسرحية جميلة، وجرأة أكثر في الوقوف على المسرح. واستذكرت الهركلي الموقف الذي آلمها نفسيًّا، حين وزعت معلمتها أدوارًا لتأدية مسرحية على الإذاعة المدرسية، فرفعت "عبير" يدها بكل ثقة، وحاولت لفت أنظار معلمتها لاختيارها لتشارك في الدور البطولي، لكن نظرة المعلمة إليها جعلت الحزن يكسر قلبها، ولكن حبها للتمثيل والمسرح جعلها تُلح عليها أنْ "أعطني دورًا ولن تندمي على ذلك". وأكملت حديثها: "وافقت مدرستي ليذهل الجميع في أثناء تأديتي الدور وبراعتي ومعايشتي له، فأصبحت مشاركة رئيسة في الأعمال المسرحية بالمدرسة". كانت الهركلي تستيقظ ويولد معها أمل جديد في تحقيق ما تتطلع إليه، بعد انتهاء دراسة الإعلام الذي كان إحدى العتبات نحو تحقيق حلمها بالصعود على خشبة المسرح شرعت تتواصل مع فنانين ومخرجين من القطاع، ولكنهم بعد معرفتهم وضعها الصحي رفضوا إعطاءها أي دور، تابعت: "ولكن في يوم المعاق الفلسطيني يختلف الأمر، وتهل الاتصالات ليطلبوا مني تمثيل دور المعاق في مسرحية، كنت أضطر إلى الموافقة لتحقيق ما أصبو له، مع أني أعلم أنهم يستغلون وضعي لنجاح فعالياتهم".

 باتت ترفض تمثيل دور المعاق، وتجيب اتصالاتهم بـ: "إني اعتزلت الفن"، حتى صادفها إعلان لبدء التسجيل في دورة احتراف التمثيل المسرحي، ليدق قلبها بشغف للمسرح والتمثيل، فقررت الالتحاق بالدورة. اتصلت بمسؤول الدورة، وشرحت له وضعها الصحي بأنها من ذوي الإعاقة، مستفسرة: "هل يمكن لي التسجيل؟"، فرد عليها: "هل لديك الشغف والإبداع للتمثيل والمسرح؟"، فأجابته: "لاشك"، فقال: "إذن أين تكمن المشكلة؟!".

 والمواقف التي أحبطتها هي أن المخرجين يقوقعونها في أدوار خاصة تحاكي قضايا ذوي الإعاقة فقط، مع أنها تمتلك موهبة تستطيع بها أن تأخذ أدوارًا تحاكي كل القضايا المجتمعية، ومن العقبات التي واجهتها عدم مواءمة المسارح في القطاع لذوي الإعاقة. أضافت 


الهركلي: "عندما وصلت إلى المكان الذي تعقد فيه الدورة تفاجأت بعدم وجود مصعد كهربائي، فما كان من زملائي المشاركين في الدورة إلا مساعدتي وحملي بالكرسي، لأستطيع الوصول إلى قاعة التدريب". بفعل التدريب المتواصل باتت عبير على مقربة من تحقيق حلمها للمشاركة في أدوار بطولية على خشبة المسرح، وتطمح إلى المشاركة في برامج مواهب دولية.

 غزة/ هدى الدلوfelesteen.ps

إرسال تعليق

أحدث أقدم